برز اسم الشاعر كمال أخلاقي في بداية الألفية. هو أصغر من شعراء سبقوه في التسعينات، لكنه يشبههم إلى حد كبير. قصيدته محملة بما تحمله قصائدهم: حزن خفيف، أمل يغلف مآسي الحياة، صوت محتجّ ولغة شفافة تعرض أشياءها وملفوظها بطريقة يمكن أن يستشعرها القارئ، ويتصورها في ذهنه، ثم يراها كما يرى شيئا معروضا وراء الزجاج. هذه العناصر موجودة كلها في مجموعته الجديدة «تماما كما يفعل الملاك»، الصادرة عن منشورات بيت الشعر في المغرب. لكن كمال تخفف هذه المرة من أعباء كثيرة مازالت تثقل كاهل قصيدة مجايليه. نزع منها التصوير، وعوضه بنسق الصوت. صوت الشاعر مسموع، رغم أن صراخه مكتوم. الكلمات تكتم الصوت المرتفع، وترحب بالصوت الخافت، وهذا ما يكسبها نغمية هادئة: «أريد أن أرقص في حفلة تنكرية مع الوحوش. أريد أن ألطخ الشوارع والأرصفة بالبُصاق الذي يحمل الشعر إلى جذور الأشجار. أريد أن أصعد برج إيفل وأرى كيف ستتساقط قصائدي كلمة وتصطدم بالأرض...» (ص.25). برج إيفل علو شاهق تنتحر منه القصائد. إذن، لقد كان الشاعر الفرنسي «هنري ميشو» على حق حين اعتبر هذا البرج الشهير مجرد شكل بشع، وكان يجلس تحته حتى لا يراه. إنها نبرة حزن، بلغة تقول ما تريد بأقل تكلفة. قصائد فكرت في كل شيء، ولم تدع شيئا يمكنه أن يولد الحزن: «رحل الأصدقاء/ والأحلام الصغيرة تساقطت خلفنا/ كضباب هزيل/ وحدها سفن الميناء الراسية لا تزال تنتظر الأبد/ تُرى هل حملوا بعض الصور/ لصناعة الذكرى» (ص. 6). هذه مقاطع من قصيدة قيلت ببراعة ودقة. الجمل مشدودة، متخففة من علامات الترقيم، إعلانا عن كونها مجرد صيغة ما يمكن قوله. وبدون شك سيرحب القارئ بهذه الصيغة. تُرى منذ متى شرعت القصيدة تُكتب هكذا؟ بما أن القصيدة شكل قديم، فهي بدأت هكذا، وستنتهي بالقول الخفيف. أم يأتي العنوان محاكاة لأفعال الملاك الخفيفة. تلك الأفعال التي تحاكيها القصيدة بنجاح. وإعلانا عن توافق بين المأساة وكل احتمالاتها. والنتيجة هي اقتراح الشاعر لأفعال كالظلال تمحو الشيء وترسمه من جديد، داخل صفاء الصوت ونقاء العبارة.