تكثف دول المغرب العربي، وبالتحديد ليبيا والمغرب وتونسوالجزائر، جهودها لمراقبة المواطنين العائدين من القتال إلى جانب الجماعات الجهادية في سوريا. وأكد محللون للشرفة أن هذه الجهود تشمل التنسيق مع الانتربول وغير ذلك من الدول لرصد وتعقب الجماعات المقاتلة في سوريا والمقاتلين الذين يقررون العودة إلى بلدانهم الأصلية، فضلا عن تفكيك خلايا التجنيد داخل البلاد. و المخاوف من المقاتلين العائدين نابعة من تشرب هؤلاء الأفكار الجهادية التي قد ينقلونها معهم إلى بلدانهم، كما قال المحلل الاستراتيجي اللواء المتقاعد في الجيش المصري والمتخصص بالجماعات الإرهابية، يحيى محمد علي. وتعاني دول المغرب العربي من تدفق شبابها إلى "الجهاد" في سوريا لكن بخصائص ونسب متفاوتة، وفقا لعلي، "إلا إن السمة المشتركة بينها هي أن المنظمات الإرهابية المتخصصة بالتجنيد تقوم بإرسال الشباب إلى سوريا عبر النقل إلى أوروبا ومنها إلى تركيا تحت ستار السياحة او التجارة، فيما قسم يتم نقله إلى ليبيا ليتم تدريبه ضمن معسكرات تنظيم القاعدة هناك". ولفت المحلل الاستراتيجي إلى أن التعاون بين دول المغرب العربي أتى متأخرا بسبب الأوضاع التي كانت سائدة في بلاد "الربيع العربي"، "وهو ما سمح بتسرب أعداد كبيرة من المقاتلين مع بدء الثورة السورية". إلا إنه وحسبما أضاف، يتم حصرها حاليا عبر ما ينشر من صور وأخبار ومعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبع عناوين الإنترنت (IP address) والهواتف، أو من خلال بلاغات الأهل عن أبنائهم المفقودين. ويلعب الإنتربول الدولي كذلك دورا هاما في تنسيق هذه الجهود لمراقبة ورصد مجموعات المقاتلين في سوريا والتعامل معهم إذا ما قرروا العودة إلى بلدانهم، كما أضاف. تجنيد شباب دول المغرب العربي وتشكل ليبيا مصدرا كبيرا للقلق في الوقت الراهن كون عدد من الجماعات المتطرفة اتخذ له فيها قواعد ومراكز تدريب، وفق المحلل الاستراتيجي علي. وبحسب تقرير للأمم المتحدة صادر في مارس 2014، أصبحت ليبيا مصدرا رئيسيا للأسلحة لجماعات المعارضة السورية. ولفت علي إلى أن "الكثير من التشكيلات العسكرية الليبية تشارك علنا بالقتال في سوريا، كلواء طرابلس ولواء الأمة". أما بالنسبة لتونس، كما قال علي، "فقد انتشر فيها التيار الجهادي بعد الإطاحة بالنظام السابق، حيث تم تحرير قيادات وعناصر التيار السلفي الجهادي من السجون، وبرزت جماعة أنصار الشريعة ". وفي أبريل 2013، قامت تونس بالقبض على الجهادي التونسي العائد من سوريا، الملقب ب "أبو زيد التونسي" للاشتباه بقيامه بالتحريض على الإرهاب بعد أن حث عبر التلفزيون الشباب على السفر إلى سوريا للقتال. وكان التونسي قد زعم أن حوالي 3500 تونسي يقاتلون في صفوف الجماعات المعارضة في سوريا. وقال علي إنه "غالبا ما يتم تهريب المقاتلين التونسيين إلى الجزائر ومنها إلى ليبيا، أو مباشرة من تونس إلى تركيا أو الأردن أو إحدى الدول الأوروبية ليتم الدخول إلى سوريا". وكان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدّو قد أعلن في تصريحات صحافية في فبراير الماضي أن عدد التونسيين العائدين من سوريا قاربَ ال 400 شخص. أما الجزائر، فقال علي إنها "شهدت تعبئة علنية في بدء الثورة السورية من قبل رجال الدين الداعين للجهاد، خصوصا من قبل التيار السلفي والتيار السلفي الجهادي المقرب من القاعدة والذي هو على تواصل مباشر بجبهة النصرة، مما أدى إلى تدفق عدد كبير من الجهاديين". وعن المغرب، قال إن الجهاديين القادمين منه أسسوا تنظيما في سوريا سمي "شام الإسلام". منع هجرة «الجهاد» من جهته، قال المحلل العسكري المصري اللواء المتقاعد عبد الكريم أحمد والمتخصص في شؤون القاعدة، للشرفة إن الاهتمام الدولي بقضية "الجهاد" في سوريا ينبع من مخاوف الهجرة المعاكسة وما من الممكن أن يقوم به العائدون من عمليات إرهابية عنيفة في بلدانهم. وقد قامت دول المغرب العربي بالعديد من الضربات الاستباقية التي تقوض عمل هذه الجماعات، بحسب أحمد. ففي تونس مثلا، يمنع من السفر كل من يتأكد أو تحوم حوله الشبهات بأنه ينوي المشاركة ب"الجهاد" في سوريا. وقد أعلن وزير الداخلية التونسي مؤخرا عن منع 8000 تونسي من السفر إلى سوريا لغاية أواخر العام 2013. كما كشف عن تفكيك ست شبكات متخصصة بتسفير مقاتلين تونسيين إلى سوريا، وأن السلطات التونسية سجلت عودة 266 شاباً كانوا يقاتلون في سوريا. وأضاف أنه "تم وضع قاعدة بيانات حول هؤلاء [العائدين] من أجل تيسير متابعتهم ومعرفة تحركاتهم، وتم التحقيق معهم وتقديمهم إلى القضاء". وأشاد الوزير بتعاون العائلات التونسية ومنظمات المجتمع المدني من أجل مجابهة ظاهرة السفر للقتال في سوريا. أما في الجزائر، فقد نجحت القوات الأمنية الجزائرية مؤخرا بتتبع وإيقاف خلايا تجنيد كانت تهدف إلى إرسال عدد من المجندين من ولايتي قالمة والطارف إلى تونس لتدريبهم على حمل السلاح ومن ثم إرسالهم إلى سوريا، وفقا لأحمد. وإلى جانب الحملة الأمنية لملاحقة شبكات التجنيد في الجزائر، فقد أطلق دعاة وعلماء دين نداءات لحث الشباب على عدم الانسياق وراء الفتاوى التي تدعو ل"الجهاد" في سوريا. حيث قال الشيخ شمس الدين الجزائري في نداء وجهه عبر إحدى القنوات التلفزيونية في أواخر العام الماضي إن "ما يسمى جهادا في سوريا هو في الحقيقة قتال فتنة". وعن التحركات الليبية لمواجهة ظاهرة "المجاهدين"، لفت أحمد إلى أنه "يجري التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي مع السلطات المحلية الليبية للسيطرة على منافذ تهريب الأسلحة والمقاتلين خصوصا في مدينة غريان شمال غربي البلاد، ومدينة الجغبوب الحدودية". وأضاف أنه تجري حاليا عمليات تدريب لعناصر من قوات الأمن الليبية لمراقبة الحدود. ويعمل المغرب بدوره على ملاحقة شبكات التجنيد بالداخل وقد نجح فعلا بتوقيف العديد من المتورطين، وتوقيف شبكات إرهابية تابعة لتنظيم "شام الإسلام" بسوريا، بحسب أحمد. جهود دولية وقال المقدم أمين الزيني من الشرطة المصرية وملحق بقسم الشرطة القضائية الدولية "الإنتربول الدولي"، "إن الإنتربول ينشط منذ أشهر على متابعة ملف جهاديي المغرب العربي من خلال نشرات حمراء تعمم على كافة الدول تضم أسماء المشتبه بتورطهم بالقتال في صفوف القاعدة لإيقافهم وتسليمهم إلى بلدانهم لإجراء اللازم". "وحاليا ينصب الجهد نحو الذين يقاتلون في سوريا مع فروع تنظيم القاعدة كجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) [...] وغيرها من الفرق المسلحة الإرهابية"، كما أضاف. ولفت الزيني إلى أن الجهود منصبة الآن نحو المقاتلين الأجانب في سوريا وخصوصا مقاتلي دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، "كون الأمن الداخلي لأي دولة من هذه الدول يعتبر أمرا مشتركا بينها كلها، خصوصا مصر، والأردن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وتونس، والعراق، والجزائر، وتركيا". وأكد أن المراقبة المستمرة من قبل هذه البلدان تكشف حقيقة سفر مواطنيها، علما أن لوائح طويلة تتضمن العديد من الأسماء يجري تبادلها لمراقبة تحركات المشكوك بأمرهم داخل بلدانهم وخلال تنقلاتهم بين بلد وآخر خصوصا التنقلات التي توصلهم إلى سوريا. وذكر الزيني أن "التعاون الحالي يتكثف مع دول المحور السوري، أي تركيا ولبنان والأردنوالعراق، كون هذه البلدان تمتلك حدودا مشتركة واسعة مع سوريا".