لا يمكن للمرء أن يحس بالملل أو الرتابة وهو يحاور الديفا سميرة سعيد. فإلى جانب تواضعها الكبير وعذوبة الصوت، فهي تشدك إليها، لتستمع بإمعان وكأنك تستمتع بأغانيها خاصة حينما ننصت إلى عمق تحليلها ورؤيتها للأشياء سواء تعلق الأمر بالجانب الفني أو السياسي. فهي ذات رؤية عميقة، وحاسمة أحيانا، حينما يرتبط الموضوع بالقيم الإنسانية، فلا تهادن، ولا تنجر إلى لغة الخشب السائدة ليس لدى الفنانين فقط، بل حتى لدى السياسيين أنفسهم، في هذا الحوار تكشف النقاب عن جديدها الفني وموقفها من الهجمة الشرسة التي قادها المتأسلمون ضد الفنانة الشابة زينة وأغنيتها »»عطيني صاكي»..« وما إن كانت ستدخل الانتخابات التشريعية المقبلة، ورؤيتها للأغنية المغربية، والأسماء الشابة التي حققت انتشارا واسعا في العالم العربي.. إلى غير ذلك من المواضيع التي أثارتها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في هذا الحوار. - تم تتويجك كأول فنانة في العالم العربي في استطلاع أجراه موقع «إيلاف» المعروف بمصداقيته إلى جانب كبار الأسماء الفنية العربية. ماذا يعني لك هذا التتويج؟ - التتويج بالنسبة إلي هو ترجمة فعلية لمحبة الناس للعمل الذي أقوم به. ودائماً الفنان يفرح بهذا الاهتمام والتكريم الذي يحظى به من طرف الناس، وكل تكريم أو جائزة يعني لي شخصياً الشيء الكثير، ويعطيني دفعة كبيرة من أجل المزيد من العطاء والإبداع، وأكون مختلفة في عطاءاتي، كما يحفزني على أن يكون طموحي أكبر مما حققته، والعمل على إنتاج أعمال جديدة ومتجددة من حيث الأسلوب. - هذه المسابقة شارك فيها العديد من الأسماء ومن مختلف الأجيال، خاصة الشابة منها، لكن استطعت التفوق على كل هذه الأسماء. في نظرك وبغض النظر عن صوتك المشهود له، هل هذا التتويج يعود إلى ذكاء سميرة سعيد، التي استطاعت أن تتأقلم مع ما يطلبه الجمهور العربي؟ - إلى حد كبير، فالفن هو عبارة عن مغامرات مختلفة، وأحاول أن أخوضها في الشكل الذي أحقق فيه نجاحاً، والتوقف عند شكل معين ونمط محدد لا يغريني، وأنا دائماً أبحث عن الجديد على مستوى الأداء والكلمات التي أختارها، وكذلك بالنسبة للألحان والتوزيع، وهذا ما جعلني أواكب رموز التجديد في الأغنية. - إلى جانب التميز الفني، نلاحظ أن سميرة سعيد لها اهتمام بما هو اجتماعي، إذ شاركت مؤخراً في حفل تضامني مع المصابين بالسيدا في مصر، في حين غابت العديد من الأسماء عن هذا الحفل التضامني رغم دعوتها. هل من تعليق؟ - إلى جانب هذه المشاركة في مصر وغيرها، كانت لدي العديد من المشاركات مع الكثير من الجمعيات في المغرب التي تهتم بهذا المرض، وفي مصر أيضاً لدي صداقات مع جمعيات مهتمة بذات الموضوع. فحينما تم الاتصال بي، لم أتردد البثة في تلبية الدعوة، رغم الالتزامات المسبقة. فأي مشاركة في هذا الباب وغيره المرتبط بما هو اجتماعي لا أتردد أبداً. فإلى جانب الرسالة الفنية، فالفنان له دور اجتماعي أيضاً وهذا ما أومن به. - مازال المغرب الآن يعيش جدلا كبيراً بخصوص أغنية للفنانة الشابة زينة الدوادية »»اعطيني صاكي باغية نماكي»«، إلى درجة أن هناك من اتهمها بنشر الرذيلة، وهناك من اعتزم رفع دعوى قضائية، خاصة من برلماني ومحامي من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية وذي مرجعية إسلامية. ما رأيك في شيطنة الفن من القوى الإسلامية، وفي إقحام الدين في الفن؟ - يجب أن يبقى الفن بعيداً من هذا المنطق. فالفن هو إبداع، ويجب أن يبقى بعيداً عن الضغوطات من أي شكل ونوع، سياسية كانت أو اجتماعية أو غيرها. فالأغنية عرفت نجاحاً. وبالمقابل، يقال إنها تنشر الرذيلة، هذا غير صحيح. فالرذيلة لا يمكن أن تنشر من خلال أغنية واحدة، بل الرذيلة سببها غياب الضمير والقيم الإنسانية، وهذه الأغنية هي أغنية مسلية. وإذا ما حاولوا منعها من المرور في القنوات والإذاعات، فاليوم كل واحد أصبحت له قناته الخاصة وإذاعته الخاصة. وبالتالي أصبح من المستحيل أن يكون هناك منع ومن يريد ذلك فهو خاطئ، وليس باستطاعته القيام بأي شيء. والنقاش الذي كان هو مجرد للاستهلاك الإعلامي فقط «هضرة وصافي»، فبالاضافة إلى المونولوغات والأغاني الأخرى المسلية يجب أن تكون هناك أيضا أغاني تغذي الروح الإنسانية، تتحدث عن العواطف وعن الحياة، وما يجب فعله حتى تكون هناك المعادلة متساوية، لكن أن تتحمل أية أغنية ما لا تحتمل، لا أرى أي جدوى من ذلك. - لكن بالعودة إلى التراث المغربي نجد أن هناك أغاني سواء في الملحون أو الأغاني الشعبية فيها كلمات جريئة جدا، بل هناك أغاني تتغنى بالحب والمرأة وتدعو الحبيب إلى تقبيل حبيبته في رمضان، وتعتبر الأغنية ذلك حلالا، بل تذاع يوم الجمعة في الإذاعة وغيرها وفي رمضان، هل هذا يعني أن المغرب في السابق كان أكثر حداثة من المجتمع حاليا؟ وهل هناك نزوع نحو المحافظة؟ - كل هذه المحاولات يائسة، والزمن يسير إلى الأمام، ولا أحد يستطيع أن يعيده إلى الوراء في كل شيء، ونحن في قرية صغيرة والاختيار أولا وأخيرا للشخص. هل يريد أن يختار الاتجاه الوسطي أو المتحفظ في حياته؟ لكن على المستوى العام، لا يمكن أن نرجع إلى الوراء، وأنا دائما مع حرية الفرد: وكل شخص حر في حياته. - ألا ترين أن هذه الإجراءات تشكل سابقة في المغرب من أجل الحجر على الفن والإبداع بشكل عام، ومحاولة إسقاط ما عاشته مصر في عهد سابق من تكفير للمبدعين والفنانين والمثقفين؟ - الرقابة على الجرائد والقنوات والإذاعات لم تعد لها أى معنى على أرض الواقع، ويستحيل معه الأمر اليوم، وكل شخص أصبح له الاختيار في متابعة ما يراه مناسبا له، وكما قلت كل هذه المحاولات يائسة، ولن تجدي نفعا. - لنعد إلى الجديد الفني للفنانة سميرة سعيد، ماذا أعددت من مفاجآت للجمهور المغربي والعربي؟ - أنا الآن أهيئ ألبوما جديدا، إذ أكثر من أربعة أشهر لم أشتغل عليه، وإن شاء لله سأستأنف العمل هذه الأيام.. و قد نزلت لي أغنية «سينغل» باللهجة الخليجية تحت عنوان «مظلوم» التي بدأت تذاع، ولدي حفلة في »مازاغان« في المغرب يوم 18 أبريل 2015. - وما مكانة الأغنية المغربية في ألبومك الجديد؟ - هناك أغنية مغربية مع محسن تيزاف سبق أن اشتغلنا عليها إبان التحضير لأغنية «مازال»، وقد أجلنا العمل فيها، لأن الفرصة لم تكن سانحة لكي تخرج إلى الجمهور آنذاك. - هل هذه الأغنية ستكون على شكل أغنية «»مازال«« أم مغايرة؟ - هي أغنية متحركة، ومختلفة شيئا ما عن أغنية »»مازال»« وليست أغنية درامية. - حينما أديت أغنية «مازال» استطاعت أن تنتشر بشكل كبير وفي زمن قياسي، وتكتسح العالم العربي بل خارجه أيضا، وهذا يفند أطروحة صعوبة انتشار الأغنية المغربية: والدليل ما حصدته «مازال» من جوائز.. كيف ترين هذا الأمر؟ - طبعا مشكل اللهجة المغربية لم يعد مطروحا الآن. على اعتبار أن العالم كله عبارة عن قرية صغيرة، كان الأمر مطروحا في السابق. إذ كان لابد من فهم اللهجة المغربية واستيعابها. الكلام مهم أن يفهم.لكن اليوم أصبح الأمر هينا.. فهناك من يكتب كلمات الأغنية ونشرها، وهناك من يستقطبه الصوت واللحن، خاصة إذا كانت الأغنية مرحة، في بعض الحالات حينما تكون الأغنية راقصة لا يكون هناك أي مشكل، والأغنية المغربية أصبحت تواكب التطور، من خلال الطرق الحديثة، في التوزيع و كذلك الإيقاعات .. - كيف ترين الأغنية الشبابية المغربية الجديدة ، إن صح التعبير، مثل أغنية «انت باغية واحد» لسعد لمجرد التي اكتسحت العالم العربي، وأغنية «لا علاقة» للفنان حسن المغربي والملحن زكريا بيقشا، وغيرهما. - فعلا هناك شباب مغربي طموح وناجح . وأغنية سعد لمجرد من الأغاني الناجحة، وهو من الأصوات الشابة المهمة في المغرب، له تقنية في صوته، وأنا شخصيا معجبة بصوته بزاف، وهو متحرك في المسرح وذو روح شابة، والدليل هو وصوله الى مرحلة مهمة ، الحمد لله، في الانتشار، وحتى الكلمات مختلفة عن كلمات الأغاني العاطفية المتداولة، والأغنية بشكل عام نجحت نجاحا كبيرا، لأنها تتوفر على كل مقومات النجاح، أغنية متكاملة، - نلاحظ أن العديد من الفنانين العرب اتجهوا إلى أداء الأغنية المغربية، ما السر وراء ذلك، وكيف تقيمين الأمر، وإلى أي حد شكلت هذه الأصوات إضافة إلى الأغنية المغربية؟ - طبعا، الأغنية المصرية و الخليجية واللبنانية كانت هي المنتشرة بشكل كبير في العالم العربي، فلما اكتشف هؤلاء الفنانون العرب الانتشار الجماهيري للأغنية المغربية وهذا النوع من الأغاني، أحبوا الأغنية المغربية كما أحبوها من خلال أغاني الشاب خالد والشاب مامي، وبعد ذلك بدأ بعض المطربين الكويتيين يؤدون الأغنية المغربية خاصة الأغاني الفلكلورية، حيث اكتشفوا الغني المتواجد في الإيقاعات المغربية. في بداية التسعينيات بدأت الأغنية المغربية تظهر من خلال مطربي الراي الذي عاشوا في فرنسا ، حيث انتشرت أغانيهم سواء في فرنسا أو بلجيكا والبلدان الفرانكفونية، مما جعل الآخر يكتشف هذه الأغاني، وأصبح الآن أداء الأغنية المغربية موضة، وهذا شيء إيجابي. - ماهي الإضافة التي يمكن أن يضيفها هؤلاء الفنانون العرب للأغنية المغربية؟ - الإضافة كامنة في الأغنية نفسها، وليس مرتبطة بالأسماء، فإذا كانت الأغنية ليست في المستوى، لا يهم من أداها، فلن تكون هناك أية إضافة طبعا، فالعمل نفسه هو الذي يجب أن يحمل في طياته الإضافة. - انت الآن مقيمة في مصر، هل تفتقدين أحيانا أجواء المغرب وأناسه..؟ - اشتقت إلى المغرب، ودائما حاضر في وجداني، كما أن الجمهور المغربي له حب خاص جدا، والذي دائما يساندني سواء كانت أعمالي مصرية أو خليجية.. وأحس دائما أنه معي في كل خطواتي، ليس لأنني مغربية، بل إن المغاربة لهم ذوق رفيع، وربما لأنهم تعرفوا علي وأنا صغيرة، وكبرت معهم، وهناك عطف كبير بيني وبين الجمهور المغربي، وهذا دائما يجعلني أحس بالسعادة والدفء والأمان أكثر. - ألا تفكر الأستاذة سميرة سعيد في الدخول إلى المعترك السياسي واستغلال العلاقات التي نسجتها في العالم العربي والعالم بشكل عام والانتشار الذي تم تحقيقه لخدمة قضايا و طنها؟ - أي شيء يحتاجني فيه بلدي المغرب أنا رهن الإشارة، وأنا مستعدة لأي شيء يمكن أن يكون له تأثير إيجابي لصالح بلدي. - بمعنى، إذا تم تقديم عرض من أجل الترشيح في الاستحقاقات التشريعية المقبلة، هل توافقين؟ - تجيب ضاحكة.. ليس إلى هذه الدرجة، ولكن أؤكد أنا رهن إشارة بلدي، وعلى أتم استعداد في أي اتجاه يمكن أن يساهم في خدمة المغرب. أما بالنسبة للانتخابات التشريعية، فاعتقد أن لها أناسها. - لكن «الانتخابات» مرتبطة بمدى شعبية الناس، وأنت طبعا لك شعبية لا غبار عليها؟ - لم أفكر أبدا في الموضوع، لكن أردد مرة أخرى أن أي شيء يفيد بلدي لا تحفظ لدي في هذا الباب، وأنا منفتحة على أي شيء يطلبه مني وطني، وأنا رهن الإشارة. - ماذا تقولين للمرأة العربية بشكل عام والمغربية بشكل خاص في هذا الشهر الذي تم الاحتفاء به باليوم العالمي للمرأة؟ - الأكيد أن وضع المرأة المغربية تحسن بشكل كبير، لكن مازالت هناك خطوات يجب اعتمادها لصالحها، رغم أن نظرتي للأمر هي نظرة شمولية، ولا أحبذ الرؤية إلى المجتمع من باب التقسيم، فنحن كيان واحد يجب أن نكمل بعضنا البعض بدون معارك سياسية أو وجودية، علينا التخلص من هذه المعارك. ونعمل سوية على أن يتقدم مجتمعنا بشكل منسجم ومتكامل... الكل يجب أن يتصرف انطلاقا من الحقوق والواجبات الملقاة على عاتقه في إطار التكامل والتوازن وعدم الإقصاء وبدون تمييز. - ما علاقتك بالمرأة المغربية المسؤولات والمناضلات؟ - للأسف، حينما يكون المرء بعيدا، يصعب عليه نسج علاقات وطيدة في البلاد الأم، ولكن إن شاء الله، كما سبق وأن أكدت، سأعود إلى المغرب بشكل نهائي، خاصة أن ابني شادي في أمريكا. - أنت في مصر وابنك شادي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعائلتك الصغيرة في المغرب، ألا تشعرين بالوحدة والغربة؟ - طبيعي، فبالنسبة لاستقرار ابني شادي في أمريكا أصبحت الأمور مختلفة شيئا ما، لكن مع مواقع التواصل الإجتماعي الذي أصبح متوفرا الآن خفف من لوعة الغياب ..علما أن تواجده معي في البيت كان له معنى، وغيابه أكيد كان له تأثير ، حيث كنت منشغلة به وبحياته الدراسية وبمشاكله ، لكن بعد وصوله إلى مرحلة عمرية، عليه أن ينطلق بجناحيه كما نقول، وقد زرعت فيه العديد من القيم. - هل يمكن أن نقول أن سميرة سعيد أصبحت متفرغة لنفسها أكثر الآن؟. - رغم أن شادي بعيد عني فأنا دائما مشغولة به، ولا شيء تغير في الواقع، إنما تغير الأمر على مستوى التعايش اليومي. - بمعنى أدق، ألا تفكرين في الزواج؟ . لا أبدا، هذه الفكرة غير مطروحة الآن. - حتى ولو عدت إلى المغرب؟ . لا أحد يعرف ماذا تخبيء له الأقدار. - لكن أنت امرأة مليئة بالأنوثة ولك احتياجاتك الخاصة، بغض النظر كما يقال إن المرأة لابد لها من ظل؟؟ - تجيب ضاحكة : إذن. وتواصل الجواب وضع المرأة مختلف عن الرجل، فأولوياتها لا تبقى محددة في أشياء معينة، خاصة حينما يكون المرء مشغولا بأشياء أخرى كثيرة، فالموضوع لن يطرح من هذا الباب، فلو أتيح للمرء أن يتعرف على نصفه الآخر المريح فلم لا. - وما هي مواصفات النصف الآخر المريح؟ - ضاحكة.. أهم الأشياء التي يطلبها المرء أن تكون العلاقة متكافئة ومتوازنة، إلى جانب القيم الأخلاقية التي تربيت عليها، لكن الصدف دائما هي التي تحدد، و هناك مثل فرنسي يقول ما معناه: من الأحسن أن يكون الإنسان لوحده، وأنا لا أفكر في الزواج بتاتا، وليس من أولوياتي، فأنا مشغولة بعملي.