كشف ادريس جطو أول أمس الأربعاء أمام أعضاء لجنة المراقبة المالية العامة بمجلس النواب، الاختلالات التي تعاني منها منظومة التقاعد بالمغرب. وأوضح رئيس المجلس الأعلى للحسابات أن هذه الاختلالات تكمن في تعدد الأنظمة وعدم انسجامها، حيث تم إحداث ككل نظام في مرحلة معينة، بهدف تغطية فئة محددة من الساكنة النشيطة، وذلك وفق سياق وإطار قانوني خاص. كما أن أنظمة التقاعد الحالية تخضع لقواعد ومبادىء تسيير مختلفة وغير منسجمة. ورصد ادريس جطو هذه الاختلالات، والمتمثلة في ضعف نسبة تغطية الساكنة النشيطة، بالرغم من تنوع الأنظمة بالمغرب. إذ أن نسبة التغطية لا تتجاوز حدود 35% من الساكنة النشيطة، حيث يتوزع عدد المنخرطين حالياً بشكل متفاوت. ففي نظام المعاشات المدنية التابع للصندوق المغربي للتقاعد، هناك 672.000 منخرط، والنظام العام الجماعي لمنح رواتب التقاعد به 205.000 منخرط ، ونظام التقاعد للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 3 ملايين منخرط. كما سجل الاختلالات الهيكلية لبعض الأنظمة التي تبقى من أبرز سمات منظومة التقاعد. فاستناداً إلى الدراسات الاكتوارية التي تستشرف أفق سنة 2060، يبلغ مجموع ديون أنظمة التقاعد غير المشمولة بالتغطية، حوالي 700 مليار درهم مع نهاية سنة 2013. وأوضح أن وضعية نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد هي الأكثر استعجالا وإثارة للقلق، كاشفاً أن هذه الأنظمة، خاصة منها نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، ستعرف في السنوات القادمة اختلالات مهمة على مستوى توازناتها المالية، وسيترتب عن تفاقم حجم الديون المتراكمة من طرف الأنظمة، عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين مستقبلا، كما أن السلطات العمومية لا يمكن أن تحل محل أنظمة التقاعد للحفاظ على الخدمات المقدمة إلى المتقاعدين، نظراً للإكراهات وثقل الالتزامات التي لن تستطيع ميزانية الدولة تحملها. ورأى أن صناديق التقاعد من خلال توظيف احتياطاتها، تعتبر فاعلا رائداً على المستوى المالي والاقتصادي. إذ تشكل أكثر من ثلث الدين الداخلي لخزينة الدولة، وتقدر استثماراتها في بورصة القيم بين 20 و 25% من الرساميل العائمة. ومن شأن استنفاد هذه الاحتياطات أن تنتج عنه آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والأسواق المالية، وكذا تمويل الخزينة العامة، على اعتبار أن قسطاً مهماً من ديونها ملك لهذه الأنظمة. ويرى التقرير أن غياب الجسور بين الأنظمة القائمة يشكل عائقاً يحد من حركية المأجورين ما بين القطاعين العام والخاص، كما يساهم في عدم مرونة سوق الشغل من جهة، وضعف معاشات فئة من المنخرطين من جهة أخرى. وسجل جطو أن أنظمة التقاعد تشوبها نقائص تهم نظام الحكامة وقواعد التدبير التي تتفاوت من نظام لآخر، متمثلة في غياب مجلس إدارة حقيقي (النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد) الطبيعة القانونية للصندوق المهني المغربي للتقاعد التي تتخذ شكل جمعية، مما يجعل نظام التقاعد التكميلي الذي يدبره، غير خاضع لمراقبة السلطات العمومية المختصة. وأكد جطو أن نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد يعاني من اختلال مالي هيكلي يتجلى في البدء في تسجيل عجز تقني سنة 2014 قارب مليار درهم. وإذا لم يتخذ أي إجراء، يمكن أن يصل هذا العجز إلى 2,5 مليار درهم سنة 2015 و 7 ملايير درهم سنة 2017 و 16 مليار درهم سنة 2020. كما أن الاحتياطات المالية للنظام ستعرف انخفاضاً متواصلا ليتم استنفادها في أفق 2022، أما الديون غير المشمولة بالتغطية في أفق سنة 2060، فتقدر بما يناهز 590 مليار درهم. وأكد ادريس جطو أن عدد المنخرطين انتقل من 590.000 سنة 2004 إلى 594.000 سنة 2016، ثم إلى 672.000 سنة 2014، وارتفع عدد المتقاعدين من 155.000 سنة 2004 إلى 292.000 سنة 2014، أي بزيادة 81%، تشكل الأطر من بينهم أكثر من 43%. ومن المنتظر أن يصل عدد المتقاعدين في أفق 2030 إلى 480.000. كما سجل ارتفاع المعاش الشهري المتوسط الخام للمتقاعدين، حيث وصل في أواخر 2013 مبلغ 5871. أما إذا اقتصر الأمر على المتقاعدين الجدد سنة 2013، فإن هذا المعاش ارتفع إلى 8516 درهم، في حين يبلغ مجموع احتياطات هذا النظام 85 مليار درهم. ووصل المعدل السنوي لمردودية احتياطات هذا النظام خلال 10 سنوات الأخيرة نسبة 5,6%. حضور رئيس المجلس الأعلى للحسابات أثار جدلاً دستورياً على اعتبار أنه لا يمكن مساءلته حول هذا التقرير، باعتباره أنه يمثل مؤسسة مستقلة، وأن المساءلة يجب أن توجه إلى الحكومة. في هذا الإطار، أوضحت حسناء أبو زيد عضو الفريق الاشتراكي ونائبة رئيس لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، أن حضور رئيس المجلس الأعلى للحسابات لا يثير أية إشكالية دستورية على مستوى تقديم التقارير، لكن يطرح في ما بعد تقديم التقرير، على اعتبار أنه يمثل مؤسسة مستقلة، ولا يمكن للمؤسسة التشريعية مساءلته، بل المساءلة هي موجهة للحكومة. ورأت أن العلاقة ما بين المؤسسة التشريعية والمجلس الأعلى للحسابات، هي علاقة في إطار المساعدة لتطوير عمل مجلس النواب. كما أوضحت حسناء أبو زيد أن هناك وعيا بهذه الإشكالية » لذا حاولنا في اللجنة، الحرص على لغة طرح السؤال ومضامينه«، ودعت إلى دعم عمل اللجنة لإنجاح هذه المرحلة التأسيسية، حتى يتمكن مجلس النواب من مراقبة المالية العامة.