شكلت إشكالية الإجهاض أو إيقاف الحمل غير المرغوب فيه، أحد المواضيع المحرمة والتي لا يمكن الخوض فيها منذ سنين في المغرب، بل إن البعض كان يريد أن يبقى النقاش العمومي مغلقا في هذا الباب، لكن في خضم هذا الحصار المضروب على إحدى الظواهر الأساسية التي تهم الرعاية الصحية للمرأة المغربية، كانت وما تزال جمعيات حقوقية ونسائية ومهنية، تكسر بين الفينة والأخرى هذا الحصار وذلك بالحديث عن هذا المسكوت عنه الذي كان من الطابوهات الحساسة. وكان الإجهاض دائما موضوع خلاف ما بين اتجاهين متعارضين في المجتمع المغربي، إذ هناك تيار حداثي تقدمي ذا مرجعية ينهل من مبادئ حقوق الإنسان التي تحفظ للمرأة كرامتها وحريتها والمساواة والقضاء على كل أشكال التمييز انسجاما مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واتجاه محافظ يتخذ من الشريعة الإسلامية إيديولوجية يفسر ويؤول النصوص كما يحلو له من أجل إبقاء وضع المرأة على ما هو عليه، وهذا لا يخص مسألة الإجهاض فقط، بل كان ذلك واضحا في الصراع ما بين قطبين متعارضين حول تعديل مدونة الأسرة، ثم خلال اقتراح الخطة الوطنية من أجل التنمية في إطار حكومة التناوب التوافقي من طرف الوزير سعيد السعدي، وتابع المغاربة كيف تمت معارضتها من اتجاه محافظ آنذاك لفرملة كل تقدم وتحول وتطور في وضع المرأة المغربية. ولم يعد خافيا على أحد، بأن ظاهرة الإجهاض السري بالمغرب تعرف آثارا اجتماعية وخيمة وصحية سلبية وخطيرة على المرأة نفسها والمجتمع المغربي ككل، وبلغ عدد النساء اللائي يقمن بالإجهاض بشكل سري في اليوم ما بين 800 و 1000 حالة حسب الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، في ظروف اقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تتوفر على شروط السلامة والرعاية الصحية وتتهدد حياتهن، وأحيانا يلقين مصرعهن إثر مضاعفات غير منتظرة. كما أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنساء المغربيات ثم المستوى التعليمي وتفشي الأمية، فضلا عن الحواجز التي وضعها القانون الجنائي المغربي على الإجهاض، جعلت من النساء المغربيات ضحايا ومجبرات للإقدام على الإجهاض السري غير المأمول، الذي يتهدد حياتهن، أو الالتجاء إلى وسائل شعبية من أجل التخلص من حمل غير مرغوب فيه ما يشكل خطرا كبيرا على صحتهن بل تؤدي هذه الوسائل الشعبية إلى مضاعفات صحية خطيرة بإمكانها أن تزهق أرواحهن.
إجماع حول ضرورة النقاش العمومي للإجهاض
واليوم بفضل نضالات الجمعيات الحقوقية والنسائية والجمعيات المهنية المهتمة بموضوع الإجهاض، يبدو أن هناك إجماعا وطنيا من كل الأطراف، سواء كانت رسمية بكل قطاعاتها الوزارية المعنية، أو كمجتمع مدني يناضل من اجل تتمتع المرأة بحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أو من طرف رجال الدين، على ضرورة فتح النقاش العمومي في الموضوع والوصول إلى نتائج مرضية تجعل المغاربة مطمئنين. وفي حقيقية الأمر يعد فتح النقاش في موضوع ظل مسكوتا عنه وأحد الطابوهات، نتيجة ايجابية أولية في حد ذاته، إذ يجمع الجميع على الجلوس إلى طاولة واحدة للنقاش كل من وجهة نظره واختصاصه من أجل الوصول إلى اتفاقات، وكما هو متعارف عليه الحوار والإنصات لا محالة منطقيا يؤدي إلى ثمرة جماعية تتوج حوار الأطراف المتعددة.
فاعلون يتدارسون الإجهاض
ودق الحسين الوردي وزير الصحةناقوس الخطر بخصوص الظاهرة، حيث أكد إن الإجهاض السري غير المأمون ووضعية النساء اللواتي يتعرضن له تسائل الجميع حول إشكالية الحمل غير المرغوب فيه أو غير المبرمج والذي يشكل فاجعة بالنسبة للمرأة غيرال مستعدة لتحمل تبعاته، خاصة في حالة الاغتصاب أو زنى المحارم أو الأم العازبة، مما يؤدي إلى سلوكيات تترب عنها مضاعفات خطيرة ومميتة أحيانا تساهم في الرفع من نسبة وفيات الأمهات مع ما يترتب من ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية. فبالنسبة لمحمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، يرى أن إشكالية الإجهاض تشكل أحد بؤر التوتر في البلاد، ويكاد يحدث شرخا مجتمعيا بين من يعارضون الإجهاض من جهة ومن يناصرونه، وبين من يعارضون حقوق المرأة ومن يناصرونها، لكن يعتبر الصبار أن هذا موضوع الإجهاض ظل مسكوتا عنه، علما أنه يشكل إحدى الظواهر المستفحلة بالنظر إذا ما تم استحضار ما هو واقعي. ورحب الصبار بالنقاش العمومي فيما يتعلق بهذا الموضوع من ناحية قانونية وطبية ودينية وحقوقية، بهدف الوصول إلى نتائج تجعل المغاربة يتمتعون بقانون يضمن الحقوق والحريات للمغاربة في إطار من النقاش الحر والإجماع، مع مراعاة كل الجوانب القانونية والحقوقية والطبية. الإجهاض بالمغرب فعلى الصعيد الوطني فالمادة 453 من القانون الجنائي لا تبيح الإجهاض إلا في حالة المعاناة الخطيرة التي من شأنها أن تضر بصحة المرأة كما تنص نفس المادة على عقوبة سجنية من 2 إلى 5 سنوات القائم بعملية الإجهاض كيفما كانت مهنته وكذلك الشأن بالنسبة للمجهضة. غير أن هذا التجريم يقول الصبار لا يلغي واقعيا ممارسة الإجهاض، بل يساهم عكس ذلك في مضاعفة ممارسته في ظروف مضرة بصحة المرأة التي تلجأ إليه. ويتعرض القانون الجنائي يتعرض لمسألة الإجهاض في الفصول ما بين 449 و 458 ولا يسمح بالإجهاض الطبي إلا إذا استوجب ضرورة المحافظة على حياة أو صحة الأم في الفصل 453 والذي يبقى صعب التأويل باعتبار المنظمة العالمية للصحة تعرف الصحة بحالة رفاه كامل بدني وعقلي واجتماعي، إلا أنه يعتبر وزير الصحة أن هذا القانون أصبح متجاوزا ولا يستجيب للتحديات الحالية والخاصة بالحفاظ على صحة الأم بالمغرب وتمتيعها بجميع حقوقها الإنجابية، حيث بين التقرير الثاني للجنة الخبراء الوطنية الخاص بالتدقيق السري لوفيات الأمهات لسنة 2010، أن مضاعفات الإجهاض تتسبب في حوالي 4.2 في المائة من مجموع وفيات الأمهات و5.5 في المائة من وفيات الأمهات الناتجة عن التعقيدات المباشرة للولادة. أما بالنسبة لوزارة العدل والحريات، فهي الأخرى رحبت بالنقاش في الموضوع بشكل عمومي بحيث اعتبرت أمينة أفرخي قاضية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو أن هذا اللقاء جاء متوازي مع الأوراش التي فتحتها الوزارة في إطار مراجعة القانون الجنائي في مواضيع ذات الصلة بحياة المواطنين والتي يأتي في مقدمتها موضوع الإجهاض. الإجهاض في البلدان الأخرى وفي المقابل بسط الصبار للتأمل في التجارب المقارنة المتعلقة بالتأطير القانوني للإيقاف الإرادي للحمل، و على سبيل المقارنة فإن كلا من النمسا و بلجيكا أباحتا الإيقاف الإرادي للحمل ابتداء من 1974 و 1990 على التوالي خلال أجل 12 أسبوعا و ما يتعدى 12 أسبوعا برأي طبيindication médicale . و بالنسبة للمملكة المتحدة التي أباحت التوقيف الإرادي للحمل منذ 1967 فقد رفعت الأجل إلى 24 أسبوعا. أما إسبانيا التي أباحت الإيقاف الإرادي للحمل منذ 1985 فحددت 12 أسبوعا في حال الاغتصاب و 22 أسبوعا في حالة التشوه الخلقي للجنين و في أي وقت في حال الخطر الكبير على الصحة الجسمانية و العقلية للأم. كما أن فنلندا التي أباحت التوقيف الإرادي للحمل منذ 1970 ، فقد أرست استثناء بالنسبة لقاعدة أجل 12 أسبوعا و ذلك لفائدة القاصرات الأقل من 17 سنة و ذلك برفع الأجل إلى 20 أسبوعا. إن هذه التجارب المقارنة، على اختلاف و تنوع استراتيجيات التأطير القانوني للإيقاف الإرادي للحمل تشترك في شروط أساسية تتمثل في ضرورة صدور الطلب على الأم و موافقتها المستنيرة في جميع الأحوال على القرار، و كذا إجراء عملية التوقيف الإرادي للحمل تحت إشراف طبي. كما سجل الصبار أن الإجهاض ليس هو الحل دائما، وأن النساء يلجأن إليه مكرهات، فإنه لابد من التنبيه أيضا أن المشرع لا يمكنه الحلول محل النساء واتخاذ القرار بدلا عنهن. وباعتبار النساء المعنيات الأوائل ويتحملن العواقب الجسدية والاجتماعية والاقتصادية لعمليات الإجهاض غير المؤمنة وللحمل غير المرغوب فيه، فإن للنساء الحق في اتخاذ اختيارات مسؤولة تخصهن وخاصة النساء الشابات المنحدرات من المناطق المهمشة اللائي لديهن الحق في فرصة ثانية وفي المستقبل. وترى القاضية أفروخي أن النقاش حول الإجهاض يتراوح بين الحق في الحياة للطفل والحق في حرية النساء وفي تدبير صحتهن الإنجابية، وبالتالي الحفاظ على صحتهن وتوازنها النفسي، وأن القانون الجنائي يجرم الإجهاض باعتبار أنه ينتهك الحق في الحياة كونه يستهدف الجنين في بطن أمه، ثم أن الفقه الإسلامي اتجاهه واضح نحو حماية هذا الحق وتجريم إزهاق الروح. أما بالنسبة للقانون المقارن أكدت افروخي أن هناك اتجاها ذهب إلى تجريم الإجهاض أي كانت مرحلة الحمل ولا يعفي من العقاب إلا إذا كان في الحمل خطر على الأم وصحتها مثلا في السودان ومصر، واتجاه ثاني ذهب إلى تجريم الإجهاض واقر ظروف للتخفيف (لبنان والعراق)، ثم اتجاه ثالث أباح الإجهاض متمثل في الدول الأوربية والعلمانية وبعض الدول العربية كتونس مثلا، التي تسمح بالإجهاض إذا كان فيه مساسا بصحة الم وتوازنها العصبي في الثلاثة الشهر الأولى من الحمل وعبر بنحمزة عن سعادته بأن يكون جالسا إلى جانب الطبيب لمناقشة هذا الموضوع، ولا أريد أن أتحمل مسؤولية الطبيب و أن أسلم بما يقرر ولا أدخل مجاله ، كما أن الطبيب لا يمكنه أن يدخل في مجال النصوص، وعبر بنحمزة أن قضية الإجهاض لا يجب أن تبقى في دائرة الضوضاء، باعتبار أن هذه القضية تدخل في إطار ما يسمى بالكليات الخمس المحافظة على النفس. خطة العمل لوزارة الصحة
وتتركز خطة عمل وزارة الصحة التي تعتمد نظرة شمولية على ثلاثة محاور متكاملة للتدخل، فبالنسبة للمحور الأول يهتم بتطوير سبل الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه بتطوير برامج للتربية الجنسية والإنجابية ، وتيسير الولوج إلى المعلومات الصحية الشاملة لفائدة جميع مكونات المجتمع ولخدمات تنظيم الأسرة. أما المحور الثاني يهدف إلى تيسير ولوج النساء ضحايا الإجهاض السري لخدمات الصحية الإنجابية دون أي خوف من المتابعة مع تحسين جودة التكفل بالمضاعفات الناتجة عنه، وأخيرا المحور الثالث فيهم مناقشة الإطار القانوني والتنظيمي الخاص بالإجهاض الطبي في المغرب في أفق مراجعته للاستجابة للحاجيات والتحديات المطروحة وذلك مع الاحترام الكامل للقيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للبلاد ووفقا لحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا.