كم تحول حفل تكريم أسرى سابقين بسجون البوليساريو إلى أجواء مؤثرة وحزينة لحظة الاستماع لشهادات أربعة منهم، عمار فنيدي، بوعزة شلا، محمد أشباني، حفيظ بوشتاوي، حيث كان لوقع شهاداتهم التلقائية والعفوية، حول قساوة الظروف اللاإنسانية التي عاشوها، ألم كبير بين الحاضرين، إذ لم يجدوا صعوبة في عرض ما عانوه، خلال مدة أسرهم في سجون ومعتقلات البوليساريو بتندوف، على تراب الجزائر، من تعذيب وقمع وتجويع وإذلال وقهر وحشي وحرمان من العلاج، وذلك بأساليب تفوق الوصف، وفي اغتصاب سافر لحقوق الإنسان والشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وكل هذه الجرائم الممارسة ضد الانسانية كانت تتم تحت إشراف صانعي القرار من القادة الجزائريين، ولم يفت المحتفى بهم التعبير، بكل معاني الوطنية الصادقة، عن آلامهم إزاء ما طالهم من تجاهل وتنكر بعد عودتهم إلى أرض الوطن، واعتبروا الحفل التكريمي -على بساطته- ردا للاعتبار المعنوي لهم، ولما أسدوه من تضحيات جسام في سبيل الدفاع عن كرامة ووحدة الوطن، وكم كان تأثير الشهادات عميقا في كثير من عيون الحاضرين، سيما في اللحظات التي علت فيها قصيدة أمازيغية رائعة أبدعها محمد أمغار، القادم من منطقة تونفيت، والتي حمل فيها مرارة معاناته بسجون تندوف. «جميعا من أجل مغربية الصحراء» و»الصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من هويتنا»، كان هو شعار الحفل المنظم بأجلموس، إقليمخنيفرة، تكريما لأربعة أفراد من أبناء المنطقة العائدين من معتقلات تندوف، بعد سنوات قضوها تحت رحمة الاحتجاز والتنكيل والإذلال من طرف عصابات البوليساريو وصنيعها النظام الجزائري، ولم يكن من مبالغة أن يوصف الأربعة بجزء من قصة أقدم الاسرى المدنيين والعسكريين في العالم، وقد اختتم الحفل بتوزيع هدايا رمزية على المحتفى بهم وشهادات تقديرية على الأساتذة المحاضرين، وبعض الفاعلين الجمعويين في المنطقة ممن ساهموا في إنجاح الحفل. وجاء الحفل بتنسيق بين ثلة من الجمعيات النشيطة والهادفة بأجلموس، جمعية دفاتر إلكترونية بالمغرب، جمعية ملتقى الطفولة والشباب، الجمعية الوطنية لقدماء المحاربين، وجمعية شباب أجلموس الرياضية، بادرت إلى تنظيم هذا الحفل الذي عرف حضورا جماهيريا مكثفا وغير مسبوق، من داخل البلدة وخارجها، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية، ومكونات المجتمع المدني، وفعاليات سياسية ونقابية وتعليمية واجتماعية، إلى جانب عدد من المنتخبين ورؤساء المصالح الإدارية وممثلي السلطات المحلية والأمنية، ومن تلاميذ المؤسسات التعليمية، والعائدين من محتجزات تندوف (من مناطق بجهة مكناس تافيلالت)، وقدماء المحاربين والعسكريين بالجهة، إضافة إلى أعضاء من الكتابة الجهوية للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين، وأعضاء من المكتب الإقليمي لجمعية دفاتر. الحفل المنظم في ضيافة ثانوية الخوارزمي بأجلموس، انطلق بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم على لسان الفقيه محمد المهدي المعين، وهو من قدماء المحاربين وإمام مسجد، قبل أن يقف الجميع دقيقة صمت وقراءة الفاتحة ترحما على أرواح شهداء الوحدة الترابية، وكذلك شهداء الواجب الوطني ممن سقطوا في أحداث العيون الأخيرة، والذين ضحوا بأنفسهم واسترخصوا أرواحهم في سبيل القيام بواجبهم الوطني وحماية أمن وسلامة الوطن من شرذمة الغدر والخيانة المسخرين من طرف الجزائر واستخباراتها، والمتواطئين مع صناع المؤامرات الدنيئة التي تحاك ضد الوحدة الترابية المغربية، وعلى رأسهم وسائل إعلام وأحزاب إسبانية تحن بقوة للعهد الاستعماري. بعد تقدم الجمعيات المنظمة بكلمات ترحيبية، في شخص رؤسائها امحمد الكاملي، محمد أمحدوك، محمد الهكاوي، شدد المنظمون على أن يتعزز الحفل بالاستماع للنشيد الوطني، وللخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 35 لانطلاق المسيرة الخضراء، ثم عرض شريط فيديو حول القضية الصحراوية، ويضم لقطات من مخيمات تندوف (السجون السرية للبوليساريو)، ومن أحداث العيون (الإعلام بين المصداقية والتضليل)، ثم شهادات بعض رواد الفكر أمثال عثمان تزغارت، أنور مالك، المقرئ أبو زيد، والتي أجمعت كلها على تأكيد تورط المؤسسة العسكرية الجزائرية في اختلاق الأزمة حول الصحراء بغير وجه حق واعتبار ذلك ضربا لما تبقى من أواصر التضامن العربي وتحويلا لمنطقة المغرب العربي إلى بؤرة للأطماع الأجنبية. وقد تم تتويج الحفل بندوة فكرية، أدار أشغالها ذ. زكريا حما علي، عضو اللجنة المحلية لجمعية دفاتر بأجلموس، وشارك فيها ذ. يوسف كلا، هذا الأخير الذي تناول في مداخلته القيمة ملف الصحراء، وكرونولوجيا الأحداث السياسية والعسكرية التي رافقت هذا الملف لقرابة 35 سنة، بدءا بمطالبة المغرب بصحرائه من يد الاستعمار الإسباني سنة 1975، والمناورات التي قامت بها إسبانياوالجزائر لمعارضة ذلك، وافتعال تكوين جبهة البوليساريو، وطرح مشكل الاستفتاء مرورا بتوتر العلاقات المغربية الجزائرية، ومجهودات الراحل الحسن الثاني المرنة لاسترجاع الصحراء المغربية بالاستعانة بالمنتظم الدولي ومنظمة الوحدة الإفريقية، كما طرح الأستاذ المجهودات الحثيثة لجلالة الملك محمد السادس في سبيل إنهاء هذه القضية الشائكة عبر الحكم الذاتي، وخلق مؤسسات تهتم بشؤون الصحراء، كما تطرق في معرض حديثه الى الأحداث الأخيرة التي شهدتها العيون وسعي إسبانيا للنيل من وحدتنا الترابية، وعن المسيرة الشعبية بالدارالبيضاء التي جدد من خلالها الشعب المغربي تمسكه المطلق واللامشروط بوحدته الترابية وبمقدساته الوطنية والدينية، كما ندد بالتضليل الإعلامي الذي مارسته بعض وسائل الإعلام الإسبانية في معالجتها لأحداث العيون بهدف المس بصورة وسمعة المغرب. الدكتور امحمد أقبلي، أستاذ التعليم العالي، وضابط سام سابق، ومحام بهيئتي الدارالبيضاء وباريس، ومتخصص في القانون الجنائي الإنساني، قارب بدوره موضوع انتهاكات حقوق الإنسان وفق القوانين الدولية، وعبر عن استعداده التام لحمل ملف المحتفى بهم، وغيرهم من أسرى الحرب السابقين، إلى المحاكم الدولية لغاية مقاضاة المتورطين في هذه الانتهاكات، خصوصا وأن جرائم الحرب لا يطالها التقادم، كما دعا إلى ضرورة ترك الخلافات والالتفاف حول القضايا المصيرية (الصحراء المغربية وقضية سبتة ومليلية)، ولم يفته التذكير بالجهود المبذولة مغربيا على المستوى الحقوقي، والتي تؤهل بلادنا لأن تكون مدرسة نموذجية يحتذى بها، وتأكيد مسؤولية الجزائر في افتعالل الأزمة وخرقها لمختلف الاتفاقيات الدولية.