تعبر الحدود المغربية الجزائرية الآن، ومنذ أسابيع، قطعان من الاغنام تتجه صوب عيد الاضحى المبارك الذي سيحل الاسبوع المقبل. آلاف من رؤوس الاكباش تمتد إليها شبكات التهريب شراء وسرقة، لتنقلها بدون تأشيرة وتمر بها من مسالك لاتنتصب بها النقط الحدودية المغلقة بين البلدين منذ صيف 1994. ولأن تربية المواشي تعد أهم رأسمال بالنسبة للسكان الحدوديين، فإن حالة استنفار قصوى تعرفها القرى والمداشر المتواجدة بأقاليم وجدة وفكيك وولايات وهران وتلمسان... تقول الاحصائيات الجزائرية أن 14 ألف رأس غنم تمت سرقتها سنة 2009 أغلبها قبيل حلول العيد . ودون شك، فإن الجانب المغربي سجل بدوره أعدادا هائلة من هذه «البضاعة» المطلوبة في شهر ذي الحجة من كل سنة. وليس تهريب الاغنام هو النشاط الموسمي الوحيد للشبكات ، هناك اللوازم المدرسية . لقد فتح قرار وزارة التعليم الجزائرية إجبارية المآزر بالسلكين الابتدائي والثانوي عشرات الورشات بوجدة لتلبية جزء من الطلب الذي قدر ب 5 مليون وحدة . كما عرفت متاجر وهران ومغنية وتلمسان رواجا لنقل عشرات الاطنان من الدفاتر والاقلام والالواح و... الى أسواق عاصمة المغرب الشرقي ومدن الجهة التي يصل رقم معاملات التهريب بها الى اكثر من 12 مليار درهم سنويا. وإذا كانت بورصة الاغنام والادوات المدرسية تزدهر في مرحلة معينة بالحدود المغربية الجزائرية ، فإن سلعا ومواد تشكل «التجارة التقليدية» اليومية بهذا الشريط الممتد من البحر المتوسط شمالا الى أعماق الصحراء جنوبا . في أسواق وجدة مثلا، هناك ما يفوق 245 نوعا من البضائع قادمة من التهريب أغلبها مصدره الحدود الشرقية. ومن أبرز هذه المواد، بالاضافة الى المواد الغذائية والالبسة، هناك الادوية . في هذه الاسواق يباع 72 صنفا من الادوية ، ستة منها أقراص مهلوسة أخطرها «ريفوتريل» (البولا الحمرا) و«تيمستا» و«ديازيبام». وجل هذه الانواع فاسدة منتهية صلاحيتها، تعج بها المخازن المختصة بالجزائر والمقدرة قيمتها حسب الاحصائيات الرسمية ب 8300 مليار سنتيم جزائري ، وهو ما فتح شهية المهربين ليعيدوا تلفيفها وطرحها للبيع في السوق المغربية وغيرها من دول الجوار. الاغنام ومتطلبات الموسم الدراسي و«التجارة التقليدية» أصبحت اليوم تنتمي الى الجيلين الاول والثاني في عالم التهريب بالمنطقة . لقد نشط جيل جديد له بضاعته وشبكاته وزبناؤه وجغرافيته وآفاقه ، وهذا الجيل يتخذ من حزام افريقيا الصحراوي، الممتد من موريتانيا الى الصومال، قواعد لوجستيكية له، ومن السموم البيضاء (الكوكايين) والاسلحة نشاطا رئيسيا، ومن جنوبالجزائر المتاخم لموريتانيا ومالي والنيجر منافذ له. وقد أيقظ هذا التحول مسالك حدودية بين الجزائر والمغرب من جمودها بعد أن احتكرت للاعائشة وسيدي عياد وباب العسة وبني درار ..... هذا النشاط لسنوات . الآن هناك حسي بيضة والطاوس وفم زكيد وغيرها... للاسلحة لغتها وكلماتها السرية لدى شبكات التهريب، «الفروج» مثلا هو المسدس و«فروج ترانكيل» هو مسدس كاتم للصوت ، و«المنجل» هو الكلاشنكوف . واذا كان تهريب الاسلحة حكرا على الجماعات المسلحة التي اوجعت الجزائر وقتلت أكثر من 200 الف شخص منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، فإن هذه التجارة اتسع نطاقها وتعددت شبكاتها وارتباطاتها . وأبرز ارتباط انها اصبحت رديفا للمخدرات القادمة من امريكا اللاتينية ولتنظيم القاعدة الذي له اليوم مواطئ قدم بهذا الهلال الممتد من المحيط الاطلسي (موريتانيا) غربا الى البحر الاحمر شرقا (الصومال)، مرورا بمالي والنيجر وتشاد وجنوب السودان واثيوبيا . في منتصف أكتوبر الماضي، أعلن وزير الداخلية الطيب الشرقاوي عن اكتشاف خلية متعددة الجنسيات (34 عنصرا) ترتبط بالقاعدة ب«بلاد المغرب الاسلامي»، تنشط في مجالي الاسلحة والمخدرات وهربت مابين مارس وغشت الماضيين 600 كلغ من الكوكايين. وبعد ذلك أكدت الجزائر في تصريح لأحد مسؤوليها بأن «العلاقة بين الإرهاب وتهريب المخدرات في منطقة الساحل، أصبحت حقيقة لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها». وأن هناك طائرات تحط في كل من مالي وموريتانيا وهي محملة بأطنان من الكوكاكيين ،وأن سنة 2009، شهدت عبور أكثر من عشرين طنا من الكوكاكيين بين مالي وباماكو، المحاذيتين للجزائر. وهذا الكم من المخدرات أبرز «باحات استراحته » الجزائر ومحطاته النهائية اوروبا التي ارتفع بها عدد المستهلكين من 2 مليون شخص سنة 1998 الى 4.1 مليون سنة 2008. وبدا حسب المعطيات المتوفرة، أن عناصر من البوليساريو ترتبط بهذه التجارة في شقيها:الكوكايين وتنظيم القاعدة. هو إذن جيل جديد من التهريب، بارتباطاته ومسالكه ، وجه عملته الكوكايين والقاعدة . وكما أن هناك «جيلا » جديدا من المجال الجغرافي ، فإن هذه «الديناميكية قد تنقل حالات اللااستقرار من الشريط الصحراوي الى شماله لتشتعل نيرانها بالمناطق الجنوبية لدول المغرب العربي.