الكبش.. لمن استطاع إليه سبيلا يحظى عيد الأضحى بمكانة خاصة في قلوب المغاربة على غرار باقي شعوب البلدان العربية الإسلامية. وتحل هذه السنة مناسبة «عيد الكبير» في ظروف اجتماعية خاصة، كون أن أغلبية الأسر المغربية ما زالت تعيش تداعيات الأزمة المادية التي خلفها تواتر مجموعة من المناسبات على رأسها الدخول المدرسي، والذي جاء بعد نهاية شهر رمضان وعيد الفطر المعروفان بحجمهما الكبير للنفقات. هذا فضلا على العطلة الصيفية التي تستنزف مدخرات أغلبية الأسر. كما أن عيد الأضحى يأتي في ظروف اقتصادية متسمة بارتفاع أسعار المواد الغذائية من خضر ولحوم وسمك وباقي المواد الأساسية وهو غلاء يقض مضجع شريحة واسعة من المواطنين التي أصبحت بإمكانياتها الضعيفة غير قادرة على مسايرة إيقاع المواد الغذائية التي ترتفع أسعارها يوما بعد يوم. وتخشى غالبية الأسر المغربية من غلاء أسعار أضاحي العيد هذه السنة، لاسيما، وأن الجشع قد يدفع الوسطاء و»الشناقة» على استغلال «مدونة السير» الجديدة التي تحث على الانضباط لقوانين السير،في الرفع من أسعار الأضاحي ،تحت ذريعة ارتفاع كلفة النقل بسبب تشديد المراقبة على حمولة الشاحنات وما عداه من مزاعم واهية، الشيء الذي قد يزيد في إرباك حسابات هذه الأسر الضعيفة. هذا دون نسيان أن العاشر من ذي الحجة الذي يتزامن وعيد الأضحى سيحل هذه السنة في منتصف هذا الشهر، ما يعني أن غالبية الأسر تكون عادة في هذه الفترة قد استنفذت القسط الكبير من إمكانياتها المالية، لتبدأ في دورة الاستدانة، وهي كحجرة سيزيف، لتوفير متطلبات بقية أيام الشهر. ويعول السواد الأعظم من الموظفين والعمال في شراء أضحية العيد هذه السنة على تفهم الحكومة لمعاناتهم الاجتماعية والاقتصادية وتبادر قبل حلول العيد بالإفراج عن رواتبهم ومدهم بالسلفات. بيان اليوم قامت باستقاء أراء مجموعة من مربي الأغنام ورؤساء جمعيات فلاحية في عدد من الجهات حول الموفورات من رؤوس الأغنام والماعز المخصصة للذبح في عيد الأضحى لهذه السنة، ومدى جودة هذه الماشية ومطابقتها لشروط السلامة الصحية للمستهلكين، كما استفسرت هؤلاء المهنيين حول أثمنه الأكباش في الأسواق الأسبوعية التي تعتبر المزود الرئيسي للأسواق المركزية في المدن. وفرة في الأغنام عبد العزيز أمهروق رئيس جمعية الأطلس المتوسط للفلاحة والبيئة، متفائل، وهو يحدثنا عن وفرة كبيرة في رؤوس الأغنام المعدة لعيد الأضحى لهذه السنة، وأن هذا المعطى، تشهد عليه الأسواق الأسبوعية في إقليمخنيفرة كسوق أكلموس مثلا الذي يعد من أكبر الأسواق في المنطقة ومولاي بوعزة وغيرها من الأسواق التي تضج خلال هذه الأيام بالكسابة يأتون إليه منذ الصباح من أجل بيع قطعانهم الوفيرة، إلا أن الكثير منهم ممن لم يحالفهم الحظ في بيع منتوجاتهم، يقول أمهروق، يضطرون لنقلها إلى أسواق أسبوعية أخرى في المنطقة أو العودة بها في الأسبوع الموالي لنفس السوق. وأبرز أمهروق في تصريح لبيان اليوم، أن العرض من رؤوس الأغنام يفوق الطلب بكثير، وأن من شأن هذا العامل أن يؤثر على أسعار الأضاحي عند اقتراب العيد. وأشار رئيس جمعية الأطلس المتوسط للفلاحة والبيئة، إلى أن غلاء أسعار المواد العلفية بالإضافة إلى التكلفة التي يتحملها مربو الماشية من أجل سلامة صحة القطيع وجودتها، يجعل هؤلاء يفضلون بيعها في مناسبة عيد الأضحى، وذلك للتخلص من الأعباء المالية التي تثقل كواهلهم من أجل عملية التسمين. وأوضح المتحدث في هذا السياق، أن ثمن القنطار من النخالة أصبح يناهز 300 درهم بينما وصل سعر القنطار من الدرة 290 درهما والفول 450 درهما والشعير 250 درهما أما سعر العلف المركب (السيكاليم) فقد وصل ثمنه إلى 290 درهما للقنطار، هذا مع العلم، يضيف أمهروق، أن عملية التسمين تتطلب ثلاثة أشهر إلى ثلاثة أشهر ونصف، يخضع فيها الخروف الواحد لنظام غذائي مكون من وجبتين من خليط الأعلاف المذكورة، تعطاه في فترتين متفرقتين صباحا ومساء. وكشف رئيس جمعية الأطلس المتوسط للفلاحة والبيئة، أن الفلاحين ومربي الماشية في المنطقة متدمرون من الأوضاع التي يعيشونها والتي وصفها بالقاسية جدا،وتتمثل هذه الأوضاع حسب المتحدث من جهة، في طبيعة المنطقة الجبلية التي تقيد صعوباتها المتجلية في الطرق الوعرة، حرية التنقل بالنسبة للكثيرمن أبناء المنطقة حيث ينعدم الماء والكهرباء، ومن جهة أخرى في الإتلاف الذي يتعرض له الغطاء النباتي المخصص للرعي، بفعل الثلوج الكثيرة التي تعرفها المنطقة في فصل الشتاء والتي ترغم الساكنة على الاحتماء بمنازلها الطينية. وما زاد الطين بلة يضيف، منع السلطات للسكان من حفر آبار على عمق يفوق 50 مترا، لتلبية حاجياتهم في سقي الأراضي وإرواء الماشية إضافة إلى رفض مؤسسة القرض الفلاحي مد الفلاحين بالقروض لتمويل عملية الحرث، هذه السنة، مما أفضى بهؤلاء إلى حرث أراضيهم من دون أسمدة. ويتوفر المغرب على قطيع متنوع من الأغنام حسب تنوع مناطقه، حيث تعرف مناطق عبدة ودكالة والسراغنة بالصنف الصردي الذي يعتبر النوع المفضل لدى سكان المدن الكبرى خصوصا سكان العاصمة الاقتصادية. وتعرف المناطق الجنوبية من المملكة بنوع الدمان المعروف بكثرة توالده خلال السنة الواحدة حيث النعجة الدمانية قد تلد ثلاثة «توائم» مرات خلال السنة. ورغم صغر حجم الخروف الدماني إلا أن هناك من يفضله لإنتاجيته الوفيرة وخصائصه الغذائية المرتبطة بطبيعة الأعشاب التي يتغذى عليها في المراعي بالجنوب. وتعرف مناطق الأطلس المتوسط بنوع الحمري وتمحضيت، فيما تشتهر المنطقة الشرقية بصنف بني جيل. وأكد سعيد الفاكوري رئيس الجمعية الوطنية للأغنام والماعز،أن المعطيات المتوفرة حول رؤوس الأغنام والماعز هذه، تشير إلى أن المواليد الجديدة سجلت نسبة مهمة بما يقرب من 90 في المائة وهو معدل ضاعف من عدد رؤوس الأغنام والماعز والتي وصل المعد منها للذبح في عيد الأضحى 7.2 ملايين رأس. هذا رغم الارتفاع الطفيف هذه السنة في نسبة الوفيات في القطعان، والذي انتقل من 5 في المائة السنة الماضية إلى 6 في المائة هذه السنة بسبب وفاة الخراف الصغيرة، الناتج عن قساوة المناخ في بعض المناطق، والأمراض في مناطق أخرى تقاومها وزارة الفلاحة. وأضاف الفاكوري في تصريح لبيان اليوم، أن 10 ملايين رأس من رؤوس الأغنام والماعز تكفي لسد الحاجات الوطنية على مدار السنة، ستذبح منها 5.2 مليون بمناسبة عيد الأضحى، فيما يحتفظ ب 20 في المائة من العدد المتبقي من أجل تجديد القطيع. واكتسحت رؤوس الأغنام والماعز الأسواق الأسبوعية والفضاءات المفتوحة ببني ملال. وحسب المعلومات المتوفرة عن الجودة، أدلى بها عدد من الكسابة وباعة الأغنام لبيان اليوم، فإنها تختلف حسب نوعية العلف وطبيعة المراعي المرتبطة بالمنطقة، هذا إضافة إلى النوع والسن وهما عاملان مهمان في تحديد الجودة. وأضافوا أن أثمنة الأضاحي ستعرف في الأيام الثلاثة التي تفصل عن العيد مزيدا من الانخفاض، مرجعين ذلك، إلى أن غالبية الفلاحين يرغبون في بيع منتجاتهم من الأغنام خلال مناسبة العيد، لأن أسعار الأعلاف مرتفعة، وإنتاجية المراعي على قلتها ضعيفة بل ويعجز الغطاء النباتي المتوفر في المراعي في من مناطق في الإقليم عن تغطية حاجة الأغنام من الأعلاف، مما يتسبب حسبهم في الصراع الذي يدور حول المراعي هنا وهناك ولا تمر سنة دون اقتتال بين قبائل حدودية في الإقليم، مثال ذلك الصراع الذي خلف هذه السنة قتيلا وأربعة جرحى من مشيخة آيت اسماعيل المنتمية لقبيلة آيت داود أوعلي بقيادة تاكلفت، في مواجهة بينها وبين قبيلة آيت عبدي نكوسر التابعة لعمالة ميدلت. وتحدث موحا انغودان، رئيس جمعية الأمل بجهة مكناس، في تصريح لبيان اليوم عن وفرة الخروف في الأسواق المحلية خلال هذه الفترة المتزامنة وقرب عيد الأضحى، مشيرا، إلى أن الأسعار مناسبة وتلبي حاجيات جميع الشرائح وهي تتراوح مابين 30 إلى 35 درهما حسب سلالة الخروف، سنه وجودته ..إلا أنه في المقابل، يقول انغودان، يوجد عدد كبير من الوسطاء والشناقة يستغلون مناسبة عيد الأضحى لرفع أسعار الأغنام والماعز، بل ويتحكمون في الأسواق سواء في المدن والبوادي،و يوجهون الأسعار وهم من يجنون الثروات على حساب الإمكانيات الضعيفة للمواطنين وكذا مجهودات الكسابة في عملية التسمين. وأبرز رئيس جمعية الأمل، أن الماعز يكثر عليه الإقبال خلال عيد الأضحى ، لفوائده الغذائية ذات العلاقة بالمناخ الجيد الذي تعيش فيه الماعز في الجهة وبالمراعي الغنية بالأعشاب، هذا فضلا عن سعره الذي يتراوح مابين 400 إلى 1000 درهم، وهو سعر ملائم وفي متناول جميع فئات المجتمع. تفضل الكثير من الأسر المغربية لحم الماعز لأنه لا يحتوى على كميات كبيرة من الدهون التي تزيد من مخاطر الإصابة بمرض السكري، إذ يشكل هذا المرض مشكلة صحية خطيرة في المغرب، وظاهرة وبائية كما هو الأمر في جميع دول العالم، وتكمن خطورة الداء في تأثيره على الأعضاء الحيوية لجسم الإنسان ومن أخطر هذه المضاعفات تلك التي تمس القلب، والشرايين، وانهيار وظيفة الكلي، والتأثير على العروق الصغيرة في العينين والدماغ، علما أن ما بين 60 إلى 70 في المائة من مرضى الكلي في المغرب مصابون بداء السكري، بينما يعد الداء السبب الأول لفقدان البصر، وبتر القدم السكرية في المغرب، ما يكلف المصاب به وعائلته ثمنا باهظا، ماديا واجتماعيا ونفسيا. الدارالبيضاء.. محمية الشناقة يفضل العديد من المغاربة شراء الأضحية من أصحاب الضيعات الفلاحية مباشرة وتركها لدى البائع حتى حلول العيد، مما يعفيه من عناء البحث عن العلف والكلأ كل يوم لخروف العيد، ويؤمن له جودة الأضحية والحماية من الوسطاء والشناقة الذين يلهبون الأسواق في هذه المناسبة. ولا يقتصر بيع أضاحي العيد في المدن على الضواحي والأسواق المحلية كالألفة والحي الحسني... التي تعقد من أجل هذا الغرض. ففي الدارالبيضاء مثلا تتحول ساحات ومحلات تجارية إلى أماكن لعرض الأكباش والماعز، ويتم في هذه الفضاءات البيع عن طريق المعاينة حيث يقوم المشتري بتفحص الخروف للتأكد من سنه وصحته وسلامته من العيوب، ورفعه شيئا ما من على الأرض لتقدير وزنه، لتبدأ بعد ذلك عملية مناقشة الثمن التي تنتهي إما بالتوافق وأداء الثمن للبائع أو بصرف المشتري للنظر عن الخروف للبحث عن أضحية تناسب اختياره وإمكانياته المادية. ويقول عبد الصمد العلالي، أن الأثمان بدت مرتفعة في غالب الساحات المسموح فيها لبيع الأضاحي بالدارالبيضاء، لاسيما في هذا الأسبوع الذي يفصل عن عيد الأضحى. وأضاف في تصريح لبيان اليوم، أن ثمن خروف جيد من نوع الصردي حجم متوسط يفوق 2800 درهم بساحة البحيرة التي صارت تعج برؤوس الأغنام كل ما حلت مناسبة عيد الأضحى، فيما الأحجام الكبيرة من نفس النوع والجودة يفوق ثمنها 3500 درهم إلى 4000 درهم، وهي أسعار لا تتلاءم مع إمكانيات شرائح عريضة من المواطنين أرباب أسر ويشتم منها رائحة المضاربة والوسطاء والشناقة. وأشار المتحدث إلى الصعوبة التي يواجهها أرباب الأسر في شراء الأضحية للاحتفال بهذه المناسبة الدينية، لا سيما، بالنسبة للذين يقتنون الأضحية عن طريق المعاينة في الأسواق المحلية كالألفة والحي الحسني، ولا يجيدون عملية الاختيار، لعدم معرفتهم بشروط الجودة وتحديد الكمية، حيث غالبا ما يتعرض هؤلاء للغش كبيعهم خراف فيها عيوب أو مريضة من طرف الوسطاء والشناقة، الذين يتقنون أساليب الاحتيال من بينها إعطاء خليط من الماء والملح للخروف الهزيل قبل بيعه كي ينتفخ ويعطي انطباعا خاطئا للمشتري الذي قد يعتقد أنه من النوع الجيد، فيقتنيه من هؤلاء الوسطاء ليفاجأ بعد ذلك بالأضحية تسقط مريضة أو تنفق. وإلى جانب هذه الأسواق التقليدية في الدارالبيضاء، ضجت فضاءات التسوق الخاصة بالأغنام والماعز، بمرجان و أسيما، يوم أمس بالمواطنين الراغبين في اقتناء أضحية العيد، وتراوحت الأثمان في هذه المتاجر ما بين 44 درهما و47 درهما، حسب سلالة الخروف. ويفضل الكثير من المواطنين أرباب الأسر،اقتناء أضحية العيد من هذه المتاجر الكبرى رغم ارتفاع أثمانها، وذلك نظرا لما توفره هذه الفضاءات من جودة الأضاحي وجودتها للزبناء. وأفاد العيطوني بوشعيب،عامل بشركة للصباغة،بأنه اقتنى خروفا من نوع الصردي يزن 61 كلغ بثمن 2867 درهما من متجر «اسميا «بحي الإنارة بعين الشق. وأضاف في تصريح لبيان اليوم، أن القروض الاستهلاكية شر لا بد منه، لاسيما، في الظروف الراهنة المتسمة بارتفاع أسعار المواد الأساسية، و ضعف القدرة الشرائية، مبرزا، أنه اضطر للسلف من البنك لتغطية حاجيات عيد الأضحى . فالمرء، الذي يجد نفسه مفلسا «بمعنى ما» لا يفكر، حسب العيطوني ، إلا في الحلول التي يحصل من خلالها على السيولة المالية بسهولة ، وما دامت الشروط المطلوبة للحصول على القروض البنكية متيسرة ولا تتطلب إلا توفير وثائق هي في المتناول بالنسبة للعاملين والموظفين ، فإن القروض الاستهلاكية تشكل أسهل وأنجع الحلول للراغبين فيها رغم ما تستنزفه بعد ذلك من جيوب المقرضين من فوائد تفوق إمكانياتهم الضعيفة...