صدر عن المطبوعات الجامعية الفرنسية باريس 2010 كتاب «عزل المثقفين» من تاليف الفيلسوف الفرنسي والأستاذ في جامعة السوربون ايف شارل زاركا، يقع الكتاب في 240 صفحة من القطع المتوسط. ويشير المؤلف في كتابه إلى السلطة المعنوية التي كان يتمتع بها المثقف قديماً والتي كانت تمنحها له أعماله الأدبية وإنجازاته، حيث كان لفكر المثقف سواء كان أديباً أو شاعراً وزن لدى الرأي العام، وقد يعطيه ذلك الحق بانتقاد السلطة القائمة ودعوتها لتحمل مسئولياتها ولاحترام العدالة والقانون. وفي كتابه ينبه المؤلف لفقدان المثقف لهذه المكانة التي كان يتمتع بها من قبل، فلم يعد المثقف الأن وفقاً له سوى بهلوان دون أية سلطة ولا دور حقيقي، فقط أصبح يحافظ على وجوده في وسائل الإعلام من خلال السلطات الأخرى. يستعرض الفيلسوف الفرنسي الواقع الذي كان يتمتع به المثقفون إلى وقت قريب من سلطة أخلاقية كانت تعطيهم دورهم ومكانتهم ضارباً مثلاً بالكاتب الفرنسي الشهير إميل زولا الذي كان قد وجّه في نهاية القرن التاسع عشر رسالته المفتوحة الشهيرة إلى رئيس الجمهورية تحت عنوان «إنّي اتهم» وطالب فيها بوقف حملة الافتراء ضد الضابط «دريفوس»، مشيراً إلى المعركة التي خاضها المثقفون الفرنسيون آنذاك من أجل العدالة والحرية. ويوضح زاركا أن سلطة المثقف بدأت في التراجع في أواسط سنوات السبعينات من القرن العشرين، وذلك ليس بسبب قلة المثقفون من كتّاب أو علماء أو فلاسفة، ولكن بسبب بروز القوة الكبرى لوسائل الإعلام وخاصة للتلفزيون على الصعيد الثقافي والفكري. من هنا لم يعد عمل المثقف ونتاجه العامل الأساسي في اكتسابه للسلطة، ولكن الظهور في وسائل الإعلام، خاصة التلفزيون، واحتلال صدر الأخبار في الصحف والمجلات وغيرها، ويرى المؤلف أن المثقف قد أصبح بدوره في عداد الباحثين عن الاستعراض كالممثلين والراقصين وغيرهم، وأن مثل هذا المنطق من البحث عن النجومية حوّل المثقفين إلى دمى صغيرة، مؤكداً على أن المشهد العام أصبح مشبعاً بمثل هؤلاء.