قبل تأسيس عمالة إقليم تاونات سنة 1977، كان سكان قرية با محمد يتطلعون إلى أن تكون منطقتهم عمالة مستقلة عن فاس، رغم انها لاتبعد عنها الا بحوالي 60 كيلومترا، ولهم ارتباط تاريخي وعائلي وحضاري وثقافي واجتماعي بها. وعندما كان يجري الحديث عن تقسيم عمالة اقليمفاس، او الحديث عن إحداث عمالات جديدة بالبلاد، كان هؤلاء السكان يعتبرون ان لمنطقتهم الاسبقية في إحداث عمالة بها، وانها مؤهلة اكثر من العديد من المناطق، لإقامة مقر العمالة على ترابها. فموقعها واقتصادها وسكانها وتاريخها، كلها عوامل تؤهلها لاستقلالها عن عمالة اقليمفاس، وتأسيس كيان عمالة جديدة على ترابها. صُدم سكان القرية بعد تقسيم عمالة فاس، واقتطاع دائرة القرية منها، وضمها للعمالة المحدثة بتاونات، خصوصا وأن هذه الاخيرة تبعد عن القرية بأكثر من 90 كيلومترا، وان مصالح اهل القرية مرتبطة بفاس أكثر من تاونات. لذلك ظل هؤلاء السكان مصدومين من هذا التقسيم المجحف، واعتبروه غير منصف لهم. وظلوا يتطلعون الى تقسيم جديد في المستقبل، ينصفهم بإحداث عمالة بمنطقتهم، لما يرون في ذلك من إمكانية مهمة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ببلدتهم، وإقامة التجهيزات الاساسية والمرافق الادارية والاجتماعية وغيرها. عندما ألقى الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني خطابه عند ترأسه اجتماع المجلس الاستشاري الجهوي للمنطقة الوسطي الشمالية التي كانت تضم في ذلك الوقت اقاليم، فاس، بولمان، تاونات ، تازةوالحسيمة، يوم 24 اكتوبر 1984 بالقصر الملكي بفاس، استبشر سكان قرية با محمد خيرا بمضمون هذا الخطاب. فبعد ان تحدث الملك الراحل عن انتظارات المغرب ، وعن التحديات التي ستواجهه في القرن الواحد والعشرين، اكد بقوله على أن: «زمان الاختيار هو أخطر بكثير من تاريخ الانجاز، لأن الاختيار يعني منهجية وفلسفة وطريقة يمكن ان تتغير، نظرا للمناخ التجاري والاقتصادي العالمي، ونظرا للمبادلات الروحية والبشرية بين الدول والقارات، التي تعتبر ضرورية. لكن الاختيار هو الحيوي. وأريد ألا تكون اختيارات بلدي منحصرة في الرباط، أريد ان تكون اختيارات وطني في وطني كله من طنجة الى الكويرة...». وبعد ان تحدث عن رؤيته للنظام الجهوي المستقبلي الذي ستعرفه البلاد، وعن رغبته في إعطاء المجالس الجهوية، ومعالجة ملفات منطقتها، اعلن عن عدة قرارات ملكية، فقال: «فكرت ان أضع امام انظار البرلمان مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية، التي تكون لها سلطتها التشريعية وسلطتها التنفيذية الخاصة بها، وتكون لها هيئة الموظفين...». وفي نفس السياق، أعلن عن قراره بنقل مقر عمالة اقليم تاونات، من مدينة تاونات الى مدينة قرية با محمد، حيث قال: «بما أننا بصدد القضايا الاقليمية والجهوية، أظن أنه من المصلحة ان يعود مقر اقليم تاونات الى قرية با محمد، وأنا أقول لسكان تاونات إنهم رحبوا بي وأسكنوني عندهم، وقاسموني مأكلهم ومشربهم في الوقت الذي انضم جيش التحرير للقوات الملكية المسلحة، فقضيت بين ظهرانهم خمسة عشر يوما لن أنساها. والحقيقة أقمت عندهم في ظروف صعبة لمدة خمسة عشر يوما او ثلاثة أسابيع، ولم أكن أتناول طعامي فقط بمنزل العامل، بل كان بعض الناس يبعثون لي بالاطعمة وهم فرحون بي، وأنا آنذاك ولي العهد. «لكن يجب ان نعرف ان المناخ الجغرافي بالخصوص غير ملائم حيث توجد العمالة، وان كان البعض يتأثر لهذا التغيير، ولكن إدراكهم للحقيقة سيعمل على نفي كل الحسابات، وأطلب من أهل تاونات ان يفهموني، كما أطلب من ممثلي قرية با محمد ان يكونوا في المستوى». من خلال هذا الخطاب الملكي، الذي أدخله المرحوم الحسن الثاني في سياقه الطبيعي والمناسباتي، المتعلق بالحديث عن التنمية الجهوية والاقليمة، وارتباط ذلك بالتقسيم الاداري، يمكن استخراج الخلاصات التالية: أولا: ذكر الملك الراحل بالعلاقة الانسانية والعاطفية التي جمعته مع سكان تاونات في ظروف صعبة، مع بداية الاستقلال وبناء الدولة وتأسيس الجيش المغربي الحديث، وانضمام جيش التحرير الى القوات الملكية المسلحة، وهو إذ ذاك ولي للعهد، باعتبار منطقة تاونات وغفساي الواقعة بين تاونات والقرية، كانت مقرا لجيش التحرير، وميدانا لكفاحه المسلح ضد القوات الاستعمارية الفرنسية. ثانيا: ربط إحداث مقر العمالة في أي اقليم بملاءمة المناخ الجغرافي، والمناخ الجغرافي يرتبط بعدة عوامل اقتصادية وانتاجية ومناخية وتواصلية، بالاضافة الى تضاريس الارض وطقس المنطقة ونوع ترتبها. ومناخ تاونات وجغرافيتها لا يلائمان إقامة مقر العمالة بها، وان جغرافية ومناخ قرية با محمد أفضل منه بتاونات بخصوص هذا الموضوع. ثالثا: طلب من سكان تاونات ان يتفهموا مضمون القرار الملكي بخصوص نقل مقر العمالة من تاونات الى القرية. وان يدركوا حقائق الظروف الموضوعية لذلك، وألا يدخلوا حسابات اخرى، لأن نقل مقر العمالة الى القرية، قد يعود بالنفع على جميع المنطقة بما في ذلك تاونات نفسها، لا على القرية فقط. رابعا: طلب من ممثلي قرية با محمد، ومن خلالهم سكانها ان يكونوا في المستوى لهذا القرار، بالاستعداد وتعبئة كل الامكانيات لإنجاح العمالة الجديدة بترابهم. فالقرار الملكي المعلن عنه في اجتماع رسمي ومؤسساتي، يدخل في سياق رؤية شمولية للمسؤول الاول على البلاد، لهذ المنطقة. لذلك استبشر سكان القرية خيرا بهذا القرار الموضوعي من جهة، والمنصف لهم من جهة أخرى، وأخذوا يهيئون أنفسهم لتنفيذ القرار، ويعبئون امكانياتهم البشرية والمادية لتفعيله على أرض الواقع. فالقرار الملكي المعلن لايتعلق بإحداث عمالة جديدة، ولا بتعيين عامل جديد، وانما يخص نقل مقر عمالة الاقليم من مدينة تاونات الى مدينة قرية با محمد، حيث قال المرحوم الحسن الثاني بصريح العبارة: «إنه من المصلحة ان يعود مقر إقليم تاونات الى قرية با محمد.. اقول لسكان تاونات إنهم رحبوا بي وأسكنوني عندهم... فقضيت بين ظهرانهم خمسة عشر يوما لن أنساها... لكن يجب أن نعرف أن المناخ الجغرافي بالخصوص غير ملائم حيث توجد العمالة... أطلب من أهل تاونات أن يفهموني كما أطلب من ممثلي قرية بامحمد أن يكونوا في المستوى». إن الإعداد اللوجستيكي لتنفيذ هذا القرار الملكي، لا يتطلب سوى بضعة أسابيع، أو بضعة أشهر على أبعد تقدير، بما في ذلك تحضير مقر العمالة، وإقامة العامل، و مقرات المصالح الإدارية الخارجية للوزارات، خصوصا وأن مقر ر ئيس الدائرة بالقرية ومقر إقامته، تم إفراغهما مباشرة بعد الخطاب الملكي، في انتظار صدور الأمر بتنفيذ القرار الملكي بانتقال مقر العمالة من تاونات الى القرية. لكن الغريب أن هذا القرار الملكي لم ينفذ إلى يومنا هذا رغم مرور أزيد من ربع قرن على اتخاذه. لهذا ظل سكان القرية يطرحون مجموعة من التساؤلات، من بينها: من قام بعرقلة تنفيذ القرار الملكي: هل تمت هذه العرقلة من وزارة الداخلية التي كان على رأسها في ذلك الوقت السيد ادريس البصري؟ أم دخل على الخط بعض العناصر المحيطة بالقصر الملكي؟ فالأمر الواضح الذي يفهمه الجميع بما في ذلك سكان قرية بامحمد هو أنه لا يوجد في أية جهة ببلادنا، ولا يوجد في أي مستوى من يستطيع تجميد القرار الملكي. وظل السكان يبحثون دائما عن سبب ذلك،وعن الجهة التي تسببت في هذه العرقلة، حتى انتشرت بعض التأويلات وبعض الشأن بخصوص هذا الموضوع، من بينها على الخصوص أن إدريس البصري هو الذي وراء عدم تنفيذ القرار الملكي بنقل مقر الإقليم من تاونات إلى القرية بسبب حنينه لتاونات التي قضى بها بعض السنوات من طفولته، عندما كان والده يشتغل هناك كمخزني في صفوف القوات المساعدة والرأي الثاني ذهب إلى كون بعض رجال السلطة الذين وصلوا الى مرتبة العمال بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية أو على رأس بعض العمالات في مختلف الأقاليم ينتمون الى منطقة تاونات، عملوا على عدم تنفيذ القرار الملكي من داخل دواليب وزارة الداخلية المعنية وحدها بوجوب تنفيذ هذا القرار، والتأويل الثالث رأى أن ذلك يرجع الى وجود ضباط من رتب عالية في صفوف القوات الملكية المسلحة، فشكلوا قوة ضاغطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف تجميد القرار، و غير ذلك من التأويلات أو الشائعات، التي قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة والتي تداولها السكان فيما بينهم. وفي جميع الأحوال فإن وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري هو المسؤول عن تنفيذ القرار الملكي أو عدم تنفيذه. وهو المسؤول عن إعطاء جميع التوضيحات في وقتها بخصوص هذا الموضوع، الشيء الذي لم يحدث أبدا. لكن الثابت والصحيح هو أن سكان القرية مازالوا ينتظرون إنصافهم، وتصحيح وضعية منطقتهم إداريا. لهذا جددوا طلبهم بخصوص هذا الموضوع من خلال عريضة احتجاجية بتاريخ 9 يناير 2008، مرفوعة الى الجهات الإدارية المعنية، جاء فيها: «نحن الموقعين أسفله المواطنات والمواطنين سكان دائرة قرية باحمد، نحتج على ما نعانيه بسبب التقطيع الإداري الحالي المجحف الذي يجعل دائرة قرية بامحمد تابعة إداريا لتاونات، رغم أنها تبعد عنها بحوالي (90) كلم وعن مدينة الحسيمة (مركز جهة الحسيمةتازة تاونات( بأكثر من ثلاثمئة (300)) كلم، فيزداد هذا الوضع استفحالا، خاصة أمام مشكل شبه انعدام وسائل النقل وصعوبة المواصلات، مما يعطل مصالحنا ويسبب لنا معاناة كثيرة، ينعكس سلبا على تنمية المنطقة. إننا إذ نحتج على هذا الوضع، نطالب الجهات المعنية بإعادة النظر في ا لتقطيع الإداري الحالي الخاص بدائرة قرية بامحمد، بما يستجيب لحاجياتنا ومصالحنا، انسجاما مع شعار «تقريب الإدارية من المواطنين». وأمل سكان قرية بامحمد في الوقت الحاضر، هو أن تتشرف منطقتهم بزيارة جلالة الملك محمد السادس في أقرب وقت، وأن يحمل لهم بشرى إحداث عمالة بقرية بامحمد مستقلة عن تاونات أو عن أي عمالة أخرى، مع تأكيدهم على أن طلبهم هذا، لا يسعون من ورائه الى المس بمكتسبات أهل تاونات الذين يستحقون في نظرهم كل تقدير وتكريم، وإنما يسعون إلى ايجاد حل للوضع الإداري لمدينتهم بغية تقريب الإدارية من الموطانين، باعتبار أن منطقتهم تتوفر على جميع المؤهلات لتصبح عمالة، تكون بلدية القرية مقرا لها. وفي نفس الوقت يأملون أن يتغير اسم «قرية بامحمد» إلى «مدينة السنوسية» وهو الإسم التاريخي الذي كان يطلق على هذه البلد قبل دخول الحماية، وقبل أن يطلق عليها اسم «قرية بامحمد»، حيث كان اسم «القرية» يخص دوارا أو حيا بعينه «دوار القرية» الذي مازال قائما الى يومنا هذا. وهو الدوار الذي كانت أسرة باحمد تقطن به، فانسحب اسم «بامحمد» على الدوار، ثم شمل البلدة كلها. لقد حان الوقت أن تصحح وضعية هذه البلدة باسترجاع اسمها التاريخي «مدينة السنوسية» وأن تكون مقرا للإقليم، خصوصا وأن قبيلة بني سنوس لها تواجد مغاربي تتواجد بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا وأن المغرب أولى باحتضانها.