دشن الخطاب الملكي في ذكرى المسيرة الخضراء لهذه السنة، منعطفا جديدا في التعامل مع الأطراف المعنية بقضية الصحراء. فقد جاء الخطاب عشية الشروع في المفاوضات غير الرسمية مع الانفصاليين، لكي يطلب من المنتظم الدولي تحديد مسؤولية من يقف حجر عثرة في وجه المسار التفاوضي. وبهذا المعنى، فإن المغرب، الذي قدم مقترحا سياسيا للخروج من هذا المأزق المفتعل حول الصحراء، يريد من المنتظم الدولي أن يتحمل مسؤوليته في تسمية الأشياء بمسمياتها. المغرب، أولا يثق في نفسه، ويدرك أنه الطرف الأكثر جدية في البحث عن حل سلمي، والأكثر جدية في البحث عن الخروج من الحلقة المفرغة التي تريد الجزائر أن تؤبد فيها الملف. إنها رغبة مغربية في إعطاء قوة حقيقية ودولية للخيار السلمي، لابد للأمم المتحدة أن تدفع بها وتسندها بتحميل الأطراف الأخرى مسؤوليتها. فبدون ذلك ستراوح المفاوضات مكانها، وتسود حالة الاحتقان التي تسعى إليها الجزائر في المنطقة. لقد كان الخطاب الملكي واضحا، أيضا، في ما يخص المحتجزين في تندوف: إنهم رعايا مغاربة. وبذلك فالمغرب من حقه اليوم أن يدافع عن تحريرهم من الحجز، لدى من يعتبر أنهم... احتياطي للمساومة والضغط على بلادنا. إنه تحول جوهري نتمنى أن تعيه القوى الدولية والقوى الحقوقية، التي تنطلي عليها أحيانا حيل الاتهامات المفتعلة للانفصاليين ورعاتهم حول انتهاك بلادنا لحقوق الإنسان. لقد اتضح بالملموس أن المخيمات مغلقة في وجه كل الفاعلين الحقوقيين، في الوقت الذي تتحرك الآلة الديبلوماسية الجزائرية ومناصرو الانفصال من بين مواطني بعض دول الجوار، لترسيخ صورة المغرب كبلد ينتهك حقوق مواطنيه. لقد استطاع أنصار الانفصال أن يعبروا عن أنفسهم في مغرب اليوم، ومازالوا، وأحيانا كثيرة، يتحركون من أجل الاستفزاز. لكن تعرف الدول العريقة في الديمقراطية أنه إذا كانت الحرية ضمانا لحقوق كل فرد فرد، فإن النظام والأمن والاستقرار.. ضمان لحقوق الجميع، الوطن والمواطنين ولكل أنصار الحل السلمي للوضع المفتعل. لهذا كان الخطاب قويا وهو يتحدث عن حماية البلاد من كل من يريد استعمال الفضاء الحقوقي المنفتح بغرض تركيع البلاد أو لي ذراعها. لا يمكن للمغرب أن يقبل بأن تنقل إليه ظاهرة الاحتجاز في وسط البلاد، لهذا فالمغرب قوي بما حققه من حقوق وأيضا قوي بما حققه من إجماع وطني حول الدفاع عن وحدة أراضيه ووحدة شعبه وسلامة مواطنيه وترابه . إن القوة التي تحدث بها الخطاب الملكي عن مواطنينا في المخيمات، وعن المسؤولية المحددة في تأزيم الوضع، تترادف والقوة والوضوح اللذين تكلم بهما عاهل البلاد في ما يخص دمقرطة الهيآت التمثيلية للمواطنين المغاربة في الصحراء. وهو مطلب وطني مغربي، كما أنه مطلب جهوي يسير قدما في اتجاه منطق تفعيل التمثيلية الناجعة للساكنة، ويكرس خيارات إصلاح هذه التمثيلية وتمكينها من الشرعية اللازمة لتقوية دورها. والأجندة التي يعرضها الخطاب تسير في منطق الربط الجدلي والقوي بين تكريس الديمقراطية والوحدة الوطنية، من جهة، والبعد الجهوي للحل السياسي، والارتقاء بالقوة المؤسساتية للجهة في تدبير الشأن الوطني من جهة ثانية. إن المكسب الوطني في الوحدة والدمقرطة، لا شك أنه سيغتني بالتوجه الذي عبر عنه عاهل البلاد في خطاب المسيرة، وهو توجه كان قد برز بوضوح كبير في ذكرى المسيرة في السنة الماضية، مما يعني أن البلاد خطت لنفسها خطابا قويا وواضحا إزاء كل ما له علاقة بالصحراء المغربية. وهو خطاب وممارسة لا تضاهيهما سوى الرغبة الأكيدة لبلادنا في أن يكون السلم والاستقرار والحلول السلمية مشتركا في المنطقة، التي تفرض عليها وقائع التطرف والإرهاب وآفاق المستقبل الرهيبة، أولويات غير أولويات النزاع. نعتقد جازمين أن المغرب يضع، كلما يستطيع ذلك، كل الشروط الذاتية والموضوعية لكي ينتقل المغرب العربي الكبير من سلم المتمنيات إلى سلم الواقع، بالتأكيد على الحق في السلم والتعاون، وهي الرسالة الدائمة لبلادنا، كما تشهد على ذلك أربعة عقود من النزاع.