في سياق إحياء الذكرى الخامسة والأربعين لاختطاف المهدي بن بركة، نظم المركز الكونفدرالي للدراسات والأبحاث، يوم 30 أكتوبر 2010 بالمقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية الشغل مائدة مستديرة حول فكر المهدي بن بركة ، بمشاركة جامعيين ومثقفين ومسؤولين نقابيين، حيث ترأس اللقاء محمد عطيف مرحبا بالحضور، ثم انتقل ليتحدث عن علاقة الموضوع باختطاف بن بركة، مركزا على فكر المهدي ونظرته للمجتمع المغربي، مؤكدا على الاستقامة والفعالية في عمله، ضاربا بذلك مثالا من طريق الوحدة..مستشهدا بقولته الشهيرة : « نحن نبني الطريق والطريق تبنينا». بالإضافة إلى ذلك تحدث عن المركز الكونفدرالي ودوره ومحييا من خلاله شعيب حليفي الذي تعذر عليه الحضور. المتدخل الأول كان هو مصطفى بوعزيز (أستاذ باحث بكلية الآداب عين الشق ، الدارالبيضاء) ، والذي افتتح ورقته بالسؤال حول لماذا كتابات المهدي صالحة لزمننا هذا؟ متحدثا عن أهمية العبور إلى الحداثة في فكر المهدي والتي غالبا ما يوازيها التردد، و أعطى نتائج تفاعل الفكر بالمغرب مع مثيله في المغرب العربي والمشرق وآسيا ، من خلال ثقافة حقوق الإنسان وفكرة العالم الثالث التي هي فكرة المهدي بن بركة. وللوصول إلى الحديث عن المرجعية الثقافية للمهدي ونظرته للصراع الثقافي ، ومدى تأثيره على المستوى الاقتصادي للبلاد وكذلك النضال بخصوص قطاع التعليم، تطرق الأستاذ بوعزيز إلى الوضع السياسي والاجتماعي العام لمغرب ما بعد الاستقلال . المتدخل الثاني الأستاذ محمد معروف الدفالي (أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بكلية الآداب عين الشق الدارالبيضاء)، قارب في البداية مسألة التأسيس مميزا بين جيلين، جيل التأسيس وجيل مطلب الاستقلال. داخل هذا الجيل الأخير يوجد المهدي بن بركة وعمر بن جلون وغيرهم من المناضلين، وهو الجيل الذي تعاطف مع العمل المسلح. ثم ينتقل الباحث للحديث عن مرحلة بناء المجتمع الجديد والتي حصرها في ما بين 1956 و1959 ؛هذه الفترة هي مرحلة الرغبة في بناء مجتمع مغربي جديد من خلال التفكير في دولة مغربية حديثة ، والتفكير في تنظيم حزبي يجمع فئات مختلفة ..لخصه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.وهو ما جسده عمله على المستوى الدولي والذي بدأ في 1957، وتطور في سنة 1958، وخلال الستينات أخذت مجراها الحقيقي إلى حين الاختطاف، كما أن أغلب أنشطة بن بركة كانت في الخارج. بعد ذلك تطرق الأستاذ الدفالي إلى نقطة بناء المغرب الجديد والذي اعتبره من أهم مشاريع المهدي، وأن الزمن العملي أهم من الزمن العمري الذي عاشه المهدي، وقد واكب حركة نشيطة عاشها جيل الستينات ... تميز بها هذا الجيل عن الأجيال الحالية ، كما تحدث عن التغييب الحاصل لفكر المناضلين عامة وليس المهدي فقط ، ليعود ويقدم تصور المهدي- الذي شغلته مسألة التخطيط- حول المجتمع المغربي الجديد ، وهو تصور متوازن متناغم .أما خلاصاته حول مشاكل بناء المغرب فمن بينها الإرث الحاصل من سلبيات الاستعمار، وإرث العزلة التي عاشها المغرب. وقد ربط المهدي فكره بالتاريخ ليؤسس لحاضره كما كان يعتمد منهج المقارنة في تحليل المعطيات، حيث قارن في عدة مرات وضعية المغرب بماضيه وحاضره ، وكان يقارب دائما بين المغرب وبين بعض الدول التي تشق مسارها الاقتصادي بنجاح، والمقارنة كانت حاضرة في كل السياقات التي كان يتحدث عنها . وبعد ذلك أعطيت الكلمة للأستاذ محمد فلاح العلوي (أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بكلية الآداب بن مسيك الدارالبيضاء)، والذي وضح من خلال مداخلته اعتماد منهج المؤرخ في التحليل ، ووجد بأن الفكرة هي الفكرة التي ينبني عليها الاختيار الثوري وهي منهاج المؤرخ للسياسات التي كان عليها المغرب .ليعود ويطرح السياق الواسع الذي كان المهدي يضع فيه فكرته ليخلص إلى السياق الخاص الذي يقصده، ثم تركيز المهدي على التحول الذي عرفه المغرب من مباشر إلى غير مباشر. كما تحدث عن مميزات المجتمع المغربي بطبقاته التي رصدها المهدي ، والتي ما زالت على حالها حتى الآن . واختتم الأستاذ العلوي مداخلته بمجموعة من الخلاصات، هي عبارة عن توصيات من بينها التركيز على الوثائق المؤرخة للمهدي وحواراته . ورقة الأستاذ عبد الرحمان غانمي (ناقد وأستاذ جامعي ) عبر فيها في البداية عن التفوق الذي حققته الكونفدرالية في اختيارها للموضوع، لينتقل إلى أهمية المفكرين الذي بصموا أثرهم الخالد في تاريخ كل أمة. بعد ذلك انتقل الباحث إلى مناقشة فكر المهدي ومشاريعه من زاوية سوسيولوجية، متحدثا عن المرجعية الثقافية والسوسيولوجية في فكر المهدي، وطرح من خلال ذلك مجموعة من القضايا والأفكار المختلفة، وعن كون مسألة الاستشهاد تغطي على الفكر الثقافي والذي يستحق الوقوف عنده وتأمله. وأكد بعد ذلك عن تخصيب بن بركة للسلوك السياسي، والذي يستمد أفكاره من مرجعيات فلسفية ومرجعيته بالأساس. لينتقل ويتحدث بعد ذلك عن الجانب المنهجي عند المهدي، في ما طرحه وأنتجه. وتحدث عن ضرورة مجاوزة العوائق الابستمولوجية وعلى إثر الحديث عن المنهج، استشهد ببعض الرواد كابن رشد وابن خلدون، وأكد على ضرورة الفصل بين المناهج للتأمل في الأفكار التي أنتجها المهدي وتحدث عن المهدي كباحث سوسيولوجي في نظره، فهو يشكل نسقا معرفيا. واعتبر المنظور السوسيولوجي هو الذي يطبقه المهدي على كل الميادين كالرياضيات. ليتنقل ويتحدث عن العقد الاجتماعي وعن غوص المهدي في التفاصيل من خلال البحث والنبش لصياغة نظرية أساسها الابستمولوجيا. كما تحدث كذلك عن المضمون الفكري، المتجلى في الرؤى والنسق ودراسة المهدي للمجتمع من خلال المنظور السوسيولوجي وشرح مفهوم المجتمع ليس كمادة شعاراتية وإنما يسعى إلى تحليله من جانب سوسيولوجي. ليعود ويؤكد على مسألة الجزء والكل في نظريات المهدي. رابطا كل ذلك بصيرورة تفكير المهدي بخاصية المجتمع المغربي.وختم الأستاذ غانمي مداخلته باقتراح حول ضرورة التفكير في تأسيس مؤسسة خاصة بالمهدي، طارحا عدة شروط من بينها أن تكون هذه المؤسسة مستقلة وحرة ومفتوحة أمام الجميع، تتضمن كل ما كتبه ونشره المهدي وجميع مخططاته ومشاريعه التنموية، كما اقترح مجلة فكرية حول المهدي.