أقدم رئيس الحكومة الإسبانية، خوصي لويس ساباطيرو، على تعديل مهم في حكومته، سنة و نصف قبل الانتخابات التشريعية، في محاولة لإنقاذ حزبه من الاندحار الذي أكدته استطلاعات الرأي، حيث وصل تراجع الحزب الاشتراكي إلى أدنى الدرجات، مما جعل الغليان يتفاقم داخله، بشكل لم يسبق له مثيل. ولعل أهم تعديل طرأ على هذه الحكومة، هو تغيير نائبة الرئيس، ماريا تيريزا دي لافيغا، بوزير الداخلية، الفريدو بيريز روبالكابا، الذي حافظ على هذه الحقيبة، وانضافت إليه نيابة رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها، ليكرس نفسه أقوى رجل في الهيأة التنفيذية بعد ساباطيرو. ويعتبر روبالكابا من قدماء الحزب، حيث كان وزيرا في حكومات فيليبي كونزاليس، ولذلك أدلى هذا الأخير بتصريحات بعد هذا التعديل، مؤكدا أن هذه الحكومة ستشتغل «بالأقوياء»، في إشارة واضحة إلى الرجل الذي مازال محسوبا عليه، والذي تركزت عليه الأنظار، بل وسهام النقد والهجوم، من طرف وسائل الإعلام اليمينية، وخاصة من طرف جريدة الموندو، المعروفة بميولها القريبة من الحزب الشعبي المعارض. وفي هذا الإطار نشر بيدرو راميريس، مدير الجريدة وصديق رئيس الحكومة السابق، أزنار، مقالا، يصف فيه روبالكابا، بالداهية السياسي، الذي يتقن المؤامرات و المناورات. وقد التحق روبالكابا، الذي ينتمي لعائلة غنية، بالحزب الاشتراكي في سنة 1974، ليظل مخلصا له، ويشكل أحد أعمدته، الذين يهابهم اليمين، خاصة وأنه كان صاحب الجملة التي أطاحت بالحزب الشعبي، في انتخابات 2004، عندما قال إن الإسبان لا يمكنهم أن يثقوا في رئيس يكذب عليهم، في إشارة إلى ما ادعاه هذا الحزب متهما منظمة إيتا الباسكية، بالقيام بالعملية الإرهابية في محطة القطار بمدريد، بتاريخ 11 مارس من نفس السنة. وبالإضافة الى هذا التعديل المهم، الذي شمل ايضا خمس وزارات، حظي تغيير حقيبة الخارجية باهتمام الرأي العام، حيث أسندت هذه المهمة الى ترينيداد خيمينيس، بدل ميغيل انخيل موراتينوس، الذي لم يخف تأثره بهذا القرار، وهو الرجل الذي كان مخلصا لساباطيرو، طيلة المدة التي تولى فيها رئاسة الحكومة. هذا التغيير كان مفاجأة، رغم أن ترينيداد ليست غريبة عن هذا التخصص حيث راكمت خبرة في العلاقات الخارجية، التي تولت مسؤوليتها في الحزب الاشتراكي. وفي تصريح أدلى به موراتينوس، عند حفل تسليم السلط، قال إنه يغادر هذه الوزارة وهو غير مرتاح لعدم تحقيقه «لمهمة تحقيق السلام في الشرق الأوسط والصحراء الغربية». ومن المعلوم أن هذا الرجل كان عارفا بدقائق الأمور في العالم العربي وفي شمال إفريقيا، فهل ستتمكن خيمينيس من نسج نفس العلاقات التي كان يتمتع بها خلفها؟ في ملف الشؤون الخارجية تقول خيمينيس إنها ستهتم بتطوير العلاقات المتعددة لبلدها مع الاهتمام أكثر بالقارة الآسيوية، وإعطاء الأولوية لملف حقوق الإنسان، لكنها أكدت على استمرار اهتمامها بالعلاقات مع المغرب وأمريكا اللاتينية. وإذا كانت هذه التعديلات قد تمت من أجل التحضير للانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في سنة 2012، فإن الفريق الذي سيدخل به ساباطيرو، قد يجري تعديلات في بعض توجهاته، أهمها على المستوى الاقتصادي، حيث سيحاول التخلص من آثار الأزمة الاقتصادية، لأنها السبب الرئيسي في صعود نجم الحزب الشعبي في استطلاعات الرأي، إذ نشرت جريدة «الموندو» استطلاعا، مباشرة بعد التعديل، تعلن فيه أن هذا الإجراء لم يغير موقف الناخبين، حيث أن هذا الحزب اليميني سيحصل على 46,6 في المائة من الأصوات، مقابل 33,8 في المائة للحزب الاشتراكي، إذا جرت الانتخابات في الظرفية الحالية. لذلك انطلق عمل روبالكابا من ضرورة إعادة الثقة للمواطن، بالعمل المكثف للفريق الحكومي والحد من آثار الأزمة، مع عدم المس بالمكتسبات الاجتماعية، بل محاولة تحسينها، لنيل تعاطف النقابات، بالإضافة إلى حسن التواصل مع الجمهور، الأمر الذي يتقنه هو بنفسه، بينما تهاجم المعارضة اليمينية، الاشتراكيين، معتبرة أن الأمر لا يتعلق بالتفنن في التواصل بل بإغراق البلد في ديون وصلت إلى 267 مليار يورو، مما يؤدي إلى مس بالحقوق الاجتماعية والزيادة في الضرائب.