ندعو المخططين لأسطول قافلة التضامن الإسباني نحو أقاليمنا الجنوبية إلى تطبيق فلسفتهم التضامنية النابعة من المجتمعات الديمقراطية التي طالما انبهرنا بها وجعلناها مرجعية أساسية في تحركنا وحراكنا السياسي الرسمي وغير الرسمي، ولأن الدعوة آتية من قناعاتنا بالمفهوم الشمولي للتضامن المبني على مبادئ إنسانية جوهرية وهادفة من أجل الأنسنة على المستوى العالمي، فإن الحالة التي يوجد عليها المواطن الصحراوي ولد سلمى سيدي مولود، تدعو كل أصدقاء شعبنا في الصحراء، غير المخندقين في أجندة الدعم الممنهج والسخي المغروف من البئر البترولي العميق، إلى التدخل لحمايته، خصوصا وأن الرجل استنجد بكل المنظمات الحقوقية العالمية من أجل مساندته وهو يعود إلى أسرته وذويه في تيندوف، معبراً عن قناعته بمغربيته، وواضعا على عاتقه النضال من أجل وطنه من داخل مخيمات الحمادة. ولأن مفهوم النضال من أجل القضايا العادلة ومن أجل حقوق الإنسان وتقرير المصير، هي مفاهيم لا مجال للمتاجرة فيها. فإن ولد سلمى لا يمثل فرداً ،بل تياراً هاما واستراتيجيا في مخيمات الحمادة، ودفاعه اليوم عن مشروع الحكم الذاتي في الصحراء جاء بعد قناعة وممارسة في قلب دوائر القرار السياسي في المخيمات، إن الأمر لا يتعلق بمغرر به من هنا أو هناك، بل بمواطن فهم اللعبة ودرسها وعرف تضاريسها وخباياها، فولد سيدي مولود المتهم الآن بالخيانة والفساد المهني من طرف قيادي جبهة البوليساريو، يعرف جيداً ردود فعل الجبهة، أمام قرارات تاريخية اتخذها بكل شجاعة، كما يعرف جيداً أن هذه الاتهامات سيتبعها إصدار قرارات أخرى يتصدرها منعه من دخول أي منطقة تابعة لسيطرة الجبهة. ولأن ولد سلمى صوت من داخل المخيمات، فإن أصوات أخرى شبيهة ستتعالى لتقرير مصيرها بالعودة إلى الوطن في إطار الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب من أجل طي ملف نزاع مفتعل، والتفرغ لتنمية المنطقة في جميع المجالات ضمن مخطط مشروع الجهوية الموسعة واللاتمركز والذي يخوضه المغرب بانفتاح كبير على المستقبل من أجل نموذج متميز للحكامة والتدبير المعقلن. ولأن الجبهة ومعها قصر المرادية يسبحان ضد التيار، فإن أي تحرك من داخل المخيمات يستفزهما ويجعلهما في موقع الدفاع الشرس المبني على الآلية الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، بالتضييق والمنع مرة والتصفية الجسدية وفبركة الملفات، وجاهزية الاتهامات مرة أخرى. وطبعا لن يكفي لا الجبهة ولا الأمن العسكري الجزائري وضع منزل ولد سيدي مولود تحت الحراسة الآمنية المشددة، أو استنطاق قيادات من الجبهة لقياس حجم عدوى «العودة إلى الوطن» من طرف القياديين البارزين، أو هؤلاء الذين يتمتعون بحضور قبائلي واسع في مخيمات الحمادة، بل سيعملون على جلب فرق خاصة مهمتها التصنت على المحتجزين في المخيمات، وما أكثر هذه الفرق، خصوصا وأن منطقة الساحل تعج بمثل هذه الآليات، فالجو العام ينبئ بكارثة في منطقة بوابتها الحقيقية تيندوف بامتياز، حيث تستمر الدولة الوهمية في ممارسة أساليب الارتزاق الدولي على حساب حياة شعب بكامله يئن تحت شمس حارقة، بينما تتوجه تلك القيادات إلى بناء القصور في الجنوب الإسباني، وفتح حسابات خيالية في البنوك الاسبانية والإيطالية يذهب البعض منها إلى تحريك ما يسمى بالمجتمع المدني، ولهذا فلا عجب إن وجدت في كل قرية أو مدينة اسبانية أوإيطالية ممثلا للبوليساريو ومنسقا مع هؤلاء الذين لبسوا معطفا مدنيا ليركبوا الطائرات ويملئوا جيوبهم بوريقات الأورو، ليحملوا فقط علم الدولة الوهمية ويصيحون بصوت «الأجراء» دفاعاً عن الانفصال ومن بحة حناجرهم تتسرب عمليات البيع والشراء في مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، تلك التي آمنا بها وناضلنا من أجلها وقضى بعضنا لتحقيقها سنين وأعوام في زنازين بأرقام وبدونها، وهاهي اليوم ترفع كشعار مزيف لتطبيق صفقة ضمن أجندة تأتي لتحريف الانتباه عن قضية لازالت اسبانيا تلعب فيها دوراً غامضا، يجب اليوم توضيحه قبل أي وقت مضى. لكن السؤال الذي يظل عالقا: أي اسبانيا نصدق، هل اسبانيا التي تدعو إلى حل عادل ونهائي ودائم لقضية الصحراء، أم اسبانيا التي ترفع أعلام الجمهورية الوهمية في عقر دارنا، وتلك قضية أخرى.