حتى قبل توزيعه في المكتبات يوم أمس الاثنين، استفاد كتاب «ألمانيا تقضي على نفسها»، للمدعو تيلو ساراتسين، من متابعة واسعة لمضامينه من طرف أهم العناوين الصحفية، مثلما أثار موجة كبيرة من الانتقادات، والعاملان معا يعتبران، حسب قوانين الماركوتينغ، مؤشرين على رواج الكتاب حين سيوزع وعلى ضمان تسويق جيد لنسخه. لكن ما الذي يقوله الكتاب الذي حاز على تغطية إعلامية وإشهارية واسعة النطاق خلال الأسبوع الماضي، أي قبل نزوله للسوق: خمس صفحات (لا أقل ولا أكثر) في أسبوعية «دير شبيغل» تضمنت مقتطفات منتقاة منه، وصفحة يومية في أهم جريدة شعبية «بيلد»؟ يزعم المؤلف أن المهاجرين، وعلى وجه الخصوص المسلمون من عرب وأتراك، يهددون بلاده، مضيفا أنهم أقل ذكاء من بني جلدته، نظرا لما يعانون منه من نقص في التكوين، وأنهم يعيشون عالة على الدولة. وبفعل ارتفاع نسبة الولادات في صفوفهم ، يؤكد تيلو ساراتسين، فالمسلمون المقيمون في ألمانيا سيشكلون قريبا أغلبية المجتمع الألماني، وهو ما دفعه إلى صياغة فقرة تقول: «لا أريد أن يكون بلد أحفادي وأبناؤهم ذا أغلبة مسلمة، أن يتكلم الناس فيه التركية والعربية أساسا، أن تكون النساء فيه محجبات وأن يضبط الآذان إيقاع أيامه. لو أنني أرغب في العيش في ظل وضع من هذا القبيل، لكنت حجزت بطاقة سفر إلى الشرق». إن مسلمي ألمانيا، يستطرد ساراتسين، يتزوجون «عرائس مستوردة» وسلوكهم معيب! وإذا كانت يومية «بيلد» قد أبرزت، بالبنط العريض، في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي، المقتطف هذا من الكتاب الذي يضم 464 صفحة، مرفقة إياه بلائحة المساجد الثلاث الأكبر في ألمانيا، فإن هذه ليست أول مرة يجهر خلالها تيلو ساراتسين بنظرته التحقيرية للمسلمين، إذ سبق له أن ألح على عجزهم عن الاندماج في المجتمع الألماني في ربيع 2009. أجل، الرجل يطلق الكلام على عواهنه في الكتاب، وفي الحياة، ليقول أي شيء، لكنه ليس أي شخص. فهو عضو في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، سبق له أن شغل، باسم هيئته السياسية اليسارية، منصب حقيبة المالية في ولاية برلين، قبل أن يعين عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي الألماني (بوندسبانك) في ماي 2009، وهي المسؤولية التي يتحملها إلى حدود الآن والتي تمنحه سلطة معنوية لا جدل في سعتها. من كل حدب وصوب، انطلقت سهام الشجب ضد «ألمانيا تقضي على نفسها»، لكن هل ستؤثر هذه السهام في قراء الكتاب المفترضين فتثنيهم عن اقتنائه؟ في انتظار الجواب عن علامة الاستفهام هذه، الجواب الذي ستكشفه إحصائيات اقتناء نسخ الكتاب من المكتبات والأكشاك قريبا، لنتوقف عند بعض ردود الفعل التي تولدت في ألمانيا. انطلقت أول المواقف من العائلة السياسية للكاتب، الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض، حيث أكد رئيس أعرق هيئة سياسية ألمانية، سيغمار غابرييل، أنه لا يعلم لماذا يظل تيلو ساراتسين عضوا في الحزب وأنه سيفقد بطاقة انخراطه فيه قريبا جدا. ومن جانبها، صرحت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندريا نالس، أن الرجل «يسيء إلى سمعة الحزب»، وأن اعتدى في كتابه على « مجموعة معينة بالإهانة والاحتقار»، ساعيا إلى «نشر المخاوف والأحكام المسبقة» عبر «لعبة قذرة وسامة». الحكومة الألمانية، من جهتها، وظفت لهجة حادة لانتقاد الكتاب، حيث قال المتحدث باسمها إن مضمونه «من الممكن أن يجرح الكثير من الناس في بلادنا، وهو ما لن لم يمر مرور الكرام على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل»، هذه الأخيرة التي سارعت إلى التصريح أن»الكتاب جارح ومشوه بشكل خاص. لكن هل يكفي الشجب والاستنكار في مثل هذه الواقعة، أم أن المنطق السليم يفرض إقالة تيلو ساراتسين من مهامه في مجلس إدارة البنك المركزي الألماني؟ آكسل فيبر، رئيس البنك، مصاب هذه الأيام بوجع في الرأس بسبب الموقف الذي عليه اتخاذه إزاء صاحب الكتاب العنصري. ذلك أنه لا يمكنه، بقوة القانون، إعفاء أي واحد من أعضاء مجلس الإدارة الست إلا في حالة المرض أو الإساءة بشكل جلي للمؤسسة، بينما مقترف الفضيحة العنصرية لم يسئ لغير المسلمين! فضلا عن كون قرار الإقالة يستلزم، ليصبح ساري المفعول، مصادقة مجلس إدارة البنك والحكومة عليه. والحال أن آكسل فيبر يسعى إلى خلافة الفرنسي جون كلود تريشي في رئاسة البنك المركزي الأوروبي، مما يفرض عليه إقناع ناخبيه، لكسب الرهان والمقعد، بأن استقلالية البنك المركزي الألماني عن الحكومة واقع فعلي وليس مجرد بند تنظيمي نظري. وبينما أشادت أحزاب اليمين المتطرف الألمانية، مثل الحزب الديمقراطي الوطني، بمهاترات الكتاب وصاحبه، فإن هذا الأخير مبتهج على الأقل لسببين اثنين، أولهما استمرار الاهتمام الإعلامي به الذي كانت آخر تجلياته حواره المطول مع صحيفة «داي تسايت»، وثانيهما تقديم نفسه كضحية مسيحي لحملات مغرضة لأنه تجرأ على مناقشة الخلافات الثقافية مع المسلمين. وهما عاملان، يعتقد تيلو ساراتسين، أنهما سيدفعان القراء الألمان إلى التهافت على اقتناء نسخ كتابه مثلما يفعلون مع قنينات الجعة في نهاية الأسبوع.