عندما أسمع أصواتهم أشعر بأن حاسة السمع لا لزوم لها وأعتبر بأن أوج الخلق هو كائن بلا سمع. عندما أشم رائحتهم، أقتنع بأن حاسة الشم لا لزوم لها.. وأن كل عطور العالم لا يمكن بأي حال أن تطرد تلك العطانة. عندما تلمس وجودهم تشعر بأن اللمس لا ضرورة له على الإطلاق، وأنهم من شدة ما وجدوا في الحضيض لا تحتاج إلى جلد، بل الى فرشة من الزنك لكي لا تشعر بهم.. فمن تراك تلمس إذا كانت مآسي الاطفال والشيوخ والأرامل والمسنات لا تمس منهم شعرة أو تحرك فيهم لمسة عطف . الذين مستهم السلطة فأصيبوا بالنتانة، أو مسهم المال القاطع فنسوا كل عواطفهم معلقة على أنقاض البشرية. لا تلمس هذا الوجود حتى لا يعلق بيديك غبار أوساخهم وأدران ما يفكرون به.. لا يمكن أن تلمس وجودهم دون أن تشعر بالحاجة الى الصابون . منهم من إذا لمسته انكمش من شدة الكراهية والضغينة، كلما رأيتهم رددت مع محمد بنطلحة «ليتني أعمى»..! فأن ترى العصفور يطير وأن ترى الفراشة تعلو وأن تراهم ...تسقط! حين تراهم أيضا تشعر بأن الضوء يغادر عينيك وأن الأسود هو اللون الوحيد اللائق بالأرض وبالسماء تراهم ، ذلك هو التعريف البصري للتشاؤم. ألا تراهم يمتد التفاؤل طوله عرض السماوات والأرض، أن تراهم عبر الدموع تلك هي الطريقة الوحيدة الممكنة لكي تراهم.. فعندما يكون عليك أن تسمع نشرة تمتد من أول الليل الى آخر الضجر، تتمنى لو أن السمع آلة قابلة للضبط لتصفية الأصوات، أو أنها تضبط أصواتا تحت حمراء وفوق صفراء . ما يخفيه صوتهم، تكشفه صورتهم، والعكس صحيح.. وما تخفيه رائحتهم يكشفه لمسهم، والعكس صحيح.. وما يخفيه مذاقهم لا يمكن أن يكشفه شيء، والعكس صحيح..أيضا في هذه الحالة.. إذا حدث ونظرت إليهم فانظر إليهم مع شعور قوي بالذنب، كما لو أنك السبب في وجودهم، واتهم نفسك بأنك ترى ما لا يجب أن يُرى.. العيون التي لا ترى وجها جميلا ، لا تعطي لليد ما تلمسه ولا الأذن ما تسمعه والأنف ما يشمه والقلب ما يغنيه.. اللصوص التقنوقراط الآكلون للحوم البشرية، أصحاب الأنياب الطويلة التي تُغرز في لحم الوطن، هؤلاء الذين يفعلون ما يفعله الشعبوي الذي يقيم منزلا في السحاب والفقراء يسكنون فيه والتقنوقراطي غير النبيل يقبض أجرة الكراء..!! والوطن ينتظر أن تمطر لكي لا تجف عروقه..