مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    مقتل 10 اشخاص في حريق بدار للمسنين في شمال شرقي لإسبانيا    شرطي بكلميمة يستعمل سلاحه الوظيفي في وجه سائق سيارة رفض الامتثال واخترق الحاجز الأمني    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    ذكرى عودة محمد الخامس من المنفى: مناسبة لاستحضار أمجاد ملحمة بطولية في مسيرة الكفاح الوطني لنيل الاستقلال    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا        زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا        وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    دراسة حديثة تكشف ارتفاعا كبيرا في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023        "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب الأوّل

أهوى أن أقرأ و أنا في السّرير . عادة مكتسبة منذ الطفولة، زمن اكتشاف ألف ليلة و ليلة .
كنت أنام في غرفة جدّتي ، على متّكأ موضوع أسفل سريرها . في غضون واحدة من حالات مرضي لا بدّ أنّها كانت جدّ خطيرة حتّى تخلد ذكراها في العائلة كنت ، على الدّوام، غارقا في غيبوبة . في المرّات النّادرة التي أستعيد فيها وعيي ، كنت أسمع أصوات زائرات أتين يستعلمن عن وضعي . ما إن أدرك أنّي موضوع تمتماتهنّ حتّى يستغرقني النّوم ثانية .
عندما بدأت أتعافى ، كنّ يرفعن أصواتهنّ ويتحدّثن عن أمور و أمور . لم أعد أبدا في صلب حديثهنّ . مغتاظا، شرعت أتحسّر على المرض ، لكن لم يكن يجدي التمارض، كنت أعلم بالتجربة أنّ جدّتي لا تقع قطّ في فخّ أكاذيبي . في الحقيقة ، لم أكن في حاجة إلى أن أتظاهر بذلك، كنت لازلت وهِناٌ و أيّة انتكاسة يمكنها أن تباغتني في أيّة لحظة .
في هذه الظروف استلفت نظري كتاب موضوع بالقرب منّي، ألف ليلة و ليلة ، في طبعة بيروت ، المسمّاة أيضا الطبعة الكاثوليكية . ماذا يصنع هذا الكتاب في منزل لا أحد فيه يهتمّ بالأدب؟ منْ وضعه على مقربة من مضطجعي، في متناول يدي؟ واضح أنّ واحدة من الزّائرات نسيته ولم ترجع لاسترداده . ولذلك ظلّ يلازمني طوال نقاهتي . كنت أجهل في ذلك الوقت أنّ المقاطع الإيروتيكية استُبعدت بعناية، غير أنّ قوّة الحكايات بقيت أبعد من أن تتأكّل وجانبها الفاضح ظلّ سليما . و إلاّ لماذا أحسست مرتبكا أنّي لا يجب أن أقرأه ؟ عندما كان أحدهم يلج الغرفة ، كنت أخفيه تحت الأغطية ، لاسيما إذا كان أبي . هكذا باشرت القراءة، باشرت الأدب تحت تأثير المرض والإحساس بالإثم . كانت الليالي أوّل كتاب حاولت قراءته ، أوّل كتاب عربي، أوّل كتاب و كفى .
كنت أقرأ في سريري، على ضوء النّهار ... كان ذلك يعاكس إرادة شهرزاد، هي التي كانت تحكي ليلا وتصمت عند الفجر . بالتوقف عن القراءة مساءٌ ، كنت أخالف أمرها الضمني و أقلب نظام الأشياء .
الحال أنّني كلّما قرأت و مرّ الوقت ، كلّما استشعرت أنّي أفضل . عند وصولي إلى الصفحة الأخيرة ، كنت قد شفيت تماما . هذا يدفع إلى الاعتقاد بأنّ للأدب فضيلة علاجية . إذا لم يكن يبرىء أسقام الجسد ، فهو يخفف أوجاع الرّوح ، و الحاصل أنّه واحد من موضوعات كتاب الليالي . يطيب لي الاعتقاد أنّي استعدت عافيتي بفضل وساطته؛ بفضلها هي أيضا ، الزّائرة الغامضة التي تركته على رأس السّرير .
كلّ هذا مؤثر ، غير أنّ شكوكا تنبثق مشوّشة على وضوح الصّورة . هل حقا في طبعة بيروت المنقحة قرأت هذا الكتاب ؟ يروق لي أن أتصوّر ذلك . لا أعرف لماذا ، وحده الله يعرف ، لكن ماذا يكون على وجه الدقة ؟ لنذهبْ بعيدا : هل قرأته و أنا طفل ؟ ربّما حاولت ذلك ثمّ تخلّيت عن القراءة بعد عدّة صفحات ، بعد عدّة أسطر و قد لامست ثراءه الذي لا يُطاق . أهو الكتاب الأوّل ؟ كم مرّة زعمت ذلك ، أليس لأنّه مكتوب باللغة العربية ، أليس لأنّي أسعى جاهدا للتعلّق ، بطريقة ما ، بما لا أدري أيّ أصل ؟
أمّا الادّعاء بأنّي كنت مريضا لمّا اكتشفته ، فهذا نابع على الأرجح من استيهام محض . أن أذكر ما لا أدري أيّ مرض ، أن أثير الشفقة عليّ ، أن أراني طفلا صغيرا راقدا على متكأ أسفل سرير جدّتي... ألا تراني أزوّق الأشياء بالإيحاء بأنّ الحكايات أعادت لي الصحّة ؟ ألا تراني أتشبّه بلا وجه حق بشهريار، الملك المجنون الذي داوته شهرزاد ... من هنا لا ريب تبلور سيناريو هذه الزائرة الغامضة ، القارئة النَسِيّة للكتاب ... في الحقيقة ، لم تكن أيّة امرأة تقرأ، في ذلك الزّمن و في محيطي العائلي، قد تقرأ آيات من القرآن ، قطعا ليس الليالي .
أخيرا، أن أعطي الإنطباع بأنّي بإدراكي للنهاية ، كنت قد شفيت تماما... هذا أيضا من جانبي اختلاق مغرض . في الحقيقة، لم أكن لأشفى، كنت سأموت . ألا يتكرّر القول ، منذ قرون و قرون ، بأنّه لا يجب قراءة الليالي أو قراءة جزء منها فقط ؟ الذين لم يتّبعوا هذه النّصيحة دفعوا الثمن غاليا ، اتّضح أنّهم جُنّوا، انتحروا أو ماتوا من الضّجر فعليّا . كنت أجهل كلّ هذا في ذلك الوقت ، بيد أنّي كنت أستشعر الخطر غريزيا .
ومع ذلك، بفضل هذا الكتاب دُعيت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و تحديدا بفضل مقال (أصله أطروحة المتريز)، «النّوم في ألف ليلة و ليلة «البروفيسور K أوصى بنشره، لدهشتي العظيمة، لأنّي كنت أظنّ أنّه لا يميل إليّ . كان ينتقدني طوال الوقت و يبدو مرتابا تجاه مشاريعي ، لكن ضدّ أيّ توقع و دون أن أقدّم إليه طلبا ، جعلني أنشر في مطبوعة الدراسات العربية ( في أكثر أحلامي جنونا، لم أكن أتصوّر أنّي أستحق أن يرد إسمي في فهرس هذه المجلة ذات الاعتبار) . علاوة على ذلك، ساند طلبي لمنحة من شهرين لدى مؤسسة Fulbright . بكيفية مباغتة ، فتح لي النّوم أبواب أمريكا...
في المطار ، كان ينتظرني سائق ، لافتة في اليد ، عليها إسمي مكتوبا بحروف بارزة . على امتداد المسافة باتّجاه النّادي حيث عليّ أن أقيم ، لم نتبادل أية كلمة . كان المطر يسقط، المشهد الذي كان يتتابع أمام عينيّ كان بشعا، بناءات مخيفة، أشغال في طور الإنجاز، رافعات هائلة... بشكل لا إرادي، أخرجت علبة سجائري وحالما أدركت غلطتي، كنت سأعيدها إلى جيبي حينما أومأ إليّ السّائق، وقد رأى حركتي في مرآة الخلفيات ، بجواز التّدخين .
بدت لي المسافة لا نهائية، وبدأت أندم على سفري، وكنت بالأمس متحمّسا لفكرة اكتشاف أمريكا. لا بدّ أن يكون السّائق غير مسرور: كان قد تاه، ولمّا لم يعثر على طريقه، توقف ليطالع خريطة، دون جدوى على ما يبدو لأنّه استمرّ في المسير إلى غاية محطّة بنزين حيث استعلم. أخيرا، و بعد دوران طويل ، أنزلني في النّادي.
صففت حوائجي في الخزانة الحائطية الكبيرة في غرفتي ورتّبت ملفاتي و دفتر مذكراتي و أقلامي على المكتب. وبما أنّه كان عندي كتابان أو ثلاثة، تردّدت لحظة في وضعها على الرّفوف المخصّصة لهذا الشأن ما دامت ستبدو منفلتة وسط الفراغ . أرفقتها بمطبوعات من مقالي حول النّوم، بمخطوطة الدكتوراه حول الفضول المحرّم التي أنهيتها، بمعجم إنجليزي ، بقاموس مزدوج اللغة، بطبعة شعبية من الليالي في أربعة مجلّدات، بالجزيرة المكتنفة بالأسرارL›Ile mystérieuse لجول فيرن التي لا تفارقني أبدا والتي أقرأها دوما قبل النّوم . بقيت خزانة الكتب، بشكل ميئوس منه ، فارغة، كنت أغزّي نفسي بالقول إنّ هذه وضعية مؤقتة : كان في نيّتي شراء ما أمكنني من كتب .
بعد أن أقمت في غرفتي، لم أكن أدري ماذا أصنع. نزلت إلى قاعة الاستقبال لأهاتف البروفيسور ميخائيل هانويستْ . أبلغني أنّه سيأتي ليأخذني لتناول العشاء.

- - - -
* عنوان هذه الترجمة للصفحات الأولى من كتاب Dites _ moi le songe لعبد الفتاح كيليطو من اقتراح المترجم .
ABDELFATTAH KILITO , Dites _ moi le songe , Sindbad / Actes Sud , 2010 , p : 13 _ 16


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.