في مدينة «تيز» السنغالية الممتدة على مساحة جرداء تقوم مجموعة من الجنود السنغاليين والماليين بتسلق مبنى شاهق باستخدام الحبال المتدلية من الأعلى، وذلك في إطار التدريبات التي تجريها تلك القوات إلى جانب مدربيهم الأميركيين والهولنديين والإسبان ضمن عملية «فلينتلوك» الرامية إلى مكافحة الإرهاب بمنطقة غرب القارة الأفريقية. ومن خلال هذا التدريب ستحاول مجموعة مختارة من القوات الخاصة في البلدان الأفريقية إنقاذ بعض السياح الغربيين الذين تعرضوا للاختطاف من قبل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وتم احتجازهم في بلدة بشمال السنغال، وفيما يقوم جزء من القوات بتسلق الحبال للوصول إلى أعلى المبنى يقوم البعض الآخر بعملية نزول من طائرات مروحية لإنقاذ السياح المختطفين وتخليصهم من أيدي الإرهابيين، وعن هذه التدريبات يقول المقدم «كريس كول» نائب قائد العمليات الخاصة المشتركة في البلدان الأفريقية جنوب الصحراء وقائد عملية «فلينتلوك» إن الغرض من هذه العمليات هو «تدريب القوات على التعامل مع مركز متعدد الجنسيات سيقام في القارة السمراء ضمن جهود محاربة الإرهاب، وهو أمر ضروري للمنطقة التي تتربص بها تهديدات عابرة للحدود تمثلها العناصر المتطرفة والمنظمات الإسلامية الجهادية التي تشن هجمات على القوات العسكرية التابعة لدول المنطقة وتلحق بها أضراراً بالغة». ويضيف المقدم «كريس» إن التحدي الأكبر «بالنسبة لدول المنطقة هو مواجهة خطر الإرهاب فهي لا تملك سوى مناطق شاسعة من الأراضي يسهل اختراقها من قبل الجماعات المسلحة، وينصب تركيزنا في اللحظة الراهنة على التكتيكات العسكرية والمساعدة على بناء قدرات شركائنا الأفارقة». لكن السهولة التي تجري بها هذه التدريبات اليوم لم تكن متاحة من قبل، فالدخول في تنسيق مباشر بين القوات الأفريقية ونظيرتها الأميركية والتي وصلت اليوم إلى دورتها الخامسة كان سيثير جدلاً واسعاً في البلدان الأفريقية المعنية ويغذي الشكوك من ارتهان تلك البلدان للدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، كما كان سيشكك في سيادة الدول الأفريقية واستقلالها لأنها تبدو، وكأنها تتلقى أوامرها من أميركا، لا سيما في ظل المخاوف التي تساور البعض في أفريقيا من إقامة الولاياتالمتحدة لقيادة أفريقية جديدة خاصة بأفريقيا تعرف باسم «أفريكوم» لتتخذ من إحدى البلدان الأفريقية مقراً لها وهو ما يفسره البعض على أنه نوع آخر من الإمبريالية التي تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في البلدان الأفريقية. لكن اليوم غالباً ما تجرى المناورات العسكرية المشتركة بين قيادة «أفريكوم» والجيوش الأفريقية دون أن تلفت انتباه أحد وبعيداً عن الجدل الذي كان يحيط بها في السابق، والسبب وراء هذا التغير هي المخاطر التي بات يدركها القادة الأفارقة والمتمثلة في ظهور جماعات مسلحة تهدد بزعزعة استقرار البلدان الهشة الواقعة جنوب الصحراء، فقد قامت تلك الجماعات ومن أشهرها «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بتنفيذ العديد من العمليات التي استهدفت قواعد عسكرية في موريتانيا، بالإضافة إلى عمليات الاختطاف المتكررة التي يتعرض لها رعايا دول أوروبية. وبالنسبة للسنغال مازال الوضع الأمني تحت السيطرة ولم تتعرض البلاد للهجمات التي عانت منها الدول المجاورة بسبب الطبيعة المتسامحة للإسلام الصوفي الذي يعتنقه السنغاليون وعدم انجرارهم وراء الآراء المتطرفة المنتشرة في دول أخرى، هذا فضلا عن رسوخ الديمقراطية في السنغال واستقرارها السياسي على مدى الخمسين سنة الماضية. لكن ومع ذلك يخشى المسؤولون العسكريون من احتمال وصول الجماعات المسلحة إلى بلدانهم الشاسعة وتأثيرهم السلبي على القطاع السياحي المنتعش في السنغال والذي يمثل 6 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي. وفي هذا السياق يقول العقيد في الجيش السنغالي «عثمان سار» إن الحاجة اليوم «تفرض النظر إلى المستقبل والبحث بجدية في التهديدات القادمة من مالي وموريتانيا، فالاقتصاد السنغالي يعتمد بشكل كبير على السياحة ما يحتم علينا الحفاظ على الأمن والاستقرار». غير أن الولاياتالمتحدة ومن خلال تدريباتها المشتركة مع القوات المحلية تتطلع إلى أكثر من ضمان توافد السياح على السنغال والحفاظ على الاستقرار السياسي، بل تريد انخراطاً أكبر من داكار، لا سيما بعد ظهور التهديد الإرهابي عقب هجمات 11 سبتمبر، لتلعب دوراً مهماً في تسيير دوريات بالمنطقة وملاحقة الإرهابيين. وقد وقع الاختيار على الجيش السنغالي لما يتمتع به من مهنية وانضباط تفتقدهما العديد من جيوش البلاد المجاورة وهو ما يعبر عنه أحد المسؤولين الأميركيين يشارك في تدريبات «فلينتلوك» قائلا «لقد عملت في أكثر من 24 دولة وأستطيع أن أقول إن الجيش السنغالي هو الأكثر احترافية، السنغال هي نموذج للبلدان المجاورة في الكفاءة العسكرية، وخضوع الجيش للرقابة المدنية، ونحن نود استنساخ تجربتهم في البلدان الأخرى»، لكن ومع ذلك من غير المعروف ما إذا كانت السنغال ستوافق على استضافة قوات أميركية وأوروبية فوق أراضيها لما ينطوي عليه الموضوع من حساسية سياسية، ولما تكتسيه قضية السيادة العسكرية من أهمية سياسية قصوى في البلاد. عن «كريستيان صاينص مونيتور»