حدد النظام القضائي المغربي عدد المحاكم الادارية الابتدائية في سبع، توجد مقراتها في المدن التالية: أكادير، مراكش، الدارالبيضاء، الرباط، مكناس، فاس ووجدة، بالإضافة إلى محكمتين إداريتين للاستئناف بكل من الرباطومراكش. فمن خلال جولاتنا لكل من المحكمتين الاداريتين بالدارالبيضاء، والرباط، ومؤخراً لإدارية مراكش، نسجل أنها تشكو من خصاص كبير مثل زميلاتها بأكاديرفاسومكناس ووجدة ليس فقط في ما يتعلق بالعنصر البشري، ابتداء من الأعوان، وكتاب وكاتبات الضبط، وأعضاء النيابة العامة وقضاة الموضوع، ولكن كذلك من وسائل العمل وظروفه بحيث بعض مقراتها الحالية جاءت بوسط المدن، محاذية لشوارع تمر منها آلاف السيارات والدراجات، يؤثر دخانها على صحة القضاة والموظفين وتزعج منبهاتها التي تطلق على عواهنها راحتهم، وقد تذهب حد إخراج بعضهم عن تركيزهم ولو للحظة عن عملهم المضني. ومن جهة أخرى، فحتى وإن كان قليلا ما يستدعى الأطراف للحضور، بل تكتفي المحكمة الادارية بعمل المحامي، فإن حضور بعض الأطراف يطرح مشكلا كبيراً عندما نرى أن كل محكمة ابتدائية لها نفوذ ترابي شاسع، مما أصبح معه بُعد المسافة الفاصلة مثلا بين أزيلال والدارالبيضاء، الراشيديةومكناس، فجيج ووجدة أو الداخلةوأكادير يطرح مشكل النقل والانتقال لبعض أطراف الدعوى أو الشهود، بل حتى لبعض مساعدي القضاء الذين قد تحتاج المحكمة لشهادتهم أو خبرتهم في ميدان معين، أو من أجل تبليغ استدعاء أو تنفيذ أمر أو حكم ... ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة لمنعدمي الدخل ومحدوديه، عندما يتعلق الأمر بالمثول أمام إحدى محكمتي الاستئناف الادارية بالرباط بالنسبة لنصف المغرب الشمالي، وبمراكش بالنسبة لنصف المغرب الجنوبي! لقد أثبت القضاء الاداري المغربي من خلال نسائه رغم قلتهن، ورجاله، أنه في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، وتشهد على ذلك ليس فقط الأوامر الاستعجالية الصادرة عن رؤساء المحاكم الادارية (الابتدائية) والأحكام في الموضوع التي يتم تأييد حوالي 90% منها من طرف محكمتي الاستئناف، ولكن كذلك «الرضى» الذي يعبر عنه أغلب المتقاضين، والاستحسان الذي نلمسه لدى بعض المحامين، والتأييد الذي تقوم به بعض الهيئات من خلال إعادة نشر بعض الأوامر أو الأحكام أو القرارات في مجلاتها القانونية تعريفاً بها واعترافاً باجتهادات القضاة الذين أصدروها. إن كفاءة قضاة المحاكم الادارية الابتدائية والاستئنافية، هو ما يجعل نسبة القرارات المطعون فيها بالنقض التي تعرض أمام جهابذة القانون الاداري من مستشارين بالغرفة الادارية بالمجلس الأعلى بالرباط التي تحال عليها ، قليلة. رغم هذه الوضعية وظروف القضاء الاداري بالمغرب، فإنه يؤدي خدمة جليلة ليس فقط للمتقاضين مواطنين وموظفين في مواجهة إمكانية شطط الدولة أو بعض من أوكل لهم تدبير المرفق العمومي ولكن كذلك، وهذا مهم جداً، بالنسبة للدولة، إذ يؤكد القضاء الاداري على المساواة القانونية بإصدار أوامر وأحكام وقرارات ضد الدولة نفسها في شخص الوزير الأول أو غيره من أعضاء الحكومة في انتظار المحكمة العليا أو البرلمان أو مدراء المكاتب الوطنية، والمنتخبين بالقرية والمدينة والاقليم والجهة. إن الثقة التي لمسناها لدى العديد من المتعاملين مع القاضي الاداري والدور الذي يلعبه في تفعيل بناء دولة الحق والقانون ودعم التنمية الحقيقية عكس قطاعات أخرى يجعله جديراً بأن يدعم ماديا ومعنويا بشريا وبالبنايات التي تليق بمقامه ، وتجعل ليس فقط المواطن يعاين هذا الدعم، ولكن كذلك يلمسه ويحس به ويرضى عليه القاضي، وكاتب الضبط والعون حتى يبقى القضاء الاداري في وطننا أول دعامة لديمقراطية حقيقية عكس من يعمل على عرقلتها من مناهضي التغيير المستفيدين من وضعية تهميش السلطة القضائية، وما ذلك على شرفاء هذا الوطن بعزيز.