لماذا نقول عن السياسة، وهي جد الجد وصراع وحتى قتال، بالأسلحة المرئية وغير المرئية، المحسوسة، والملموسة وحتى بالمهموسة، يقال عنها«لعبة»، ويتفرع عنها ما يوصف «باللعبة الديمقراطية»... الأغلب أن ذلك الإطلاق هو فقط لتخفيف حدة الجد في السياسة أو التماسا للروح الرياضة المطلوبة في كل لعبة بما فيها «اللعبة الديمقراطية»، ... يا ترى هل ما يجري عندنا، في المضمار السياسي،«لعبة الديمقراطية» جدية، أم مجرد لعبة بقضايا جدية. ربما لا توجد «لعبة» أصلا. اللعبة - أية لعبة - تستوجب طرفين أو أكثر...حتى تكون ممتعة ومثيرة... فهل لدينا في لعبتنا الديمقراطية أطراف؟... لدينا حكومة، تعبر عن أغلبية برلمانية، أمرها أمر، أولها ما لها و عليها ما ليس لها... ماذا عن معارضتها، بديلها المحتمل في تناوب ديمقراطي، مفترض، إذا ما مل «الناخب» منها ورفضها«الرأي العام الوطني». في الوضع المعيش، نحن أمام أنواع من المعارضات، وهي أصلا تعارض بعضها البعض قبل مواجهة الحكومة. المعارضة المساهمة، ويمثلها حزب الأصالة والمعاصرة (البام)، إذا جاز أنه يعارض. إعلانه لموقعه في المعارضة، فهم في غير معناه العملي.« البام»، بألسنة بعض قادته في تصريحات للصحافة الوطنية، لا ولن يعارض برنامج الحكومة الحالية، لأنه وافقها عليه لحظة تشكيلها... و سيتوجه بمعارضته، فقط، إلى وتيرة ونوعية تنفيذ ذلك البرنامج. نفهم، أن المحاور المركزية لذلك البرنامج، الأصلية فيه أو المستجدة، هي الأوراش الكبرى التي توليها الدولة (ملكا وحكومة) أقصى درجات الاهتمام... ولا يستساغ من «حزب الأصالة و المعاصرة» أن يعارضها. ولا تكون المعارضة إلا للبرامج . فقط أعطى لنفسه إمكانية أن يغضب من هذا الوزير، أو ينبه آخر، أو يعاقب أخرى أو يزمجر في وجه عضو في الحكومة... لبعض التلكؤ في التنفيذ أو لعدم التقيد بالمخطط الأصلي أو لعجز في المواكبة العملية لإنجاز المشاريع... وكلها مهام تبدو أقرب إلى معنى المساهمة مع الحكومة، في الحث على حسن إنجاز مخططات برنامجها، من خارج الموقع الحكومي... وبالتالي فالحزب ليس معارضا بالمعنى المتعارف عليه للمعارضة في التراث الديمقراطي الكوني... لعله سمى ما يمارسه فعل معارضة، لضرورات بيداغوجية، تجاه أعضائه، حتى تتخلص طموحات البعض منهم من أوهامها (و من الحس المصلحي الحاد)، وتتقلص أحجامها إلى المستوى الطبيعي، ولعل بعضهم في حاجة إلى التمرين على العمل الحزبي وبمختلف حالاته ومواقعه. ما قد يساعد على النمو الطبيعي والملائم للحزب في التضاريس السياسية المغربية. ومن خلال ذلك، يوجه الحزب رسالة طمأنة لمحيطه السياسي، الذي انتابت بعض مكوناته حالة فزع من «النقع» الذي أثاره «تدفق» الحزب على الحياة السياسية. طمأنة تفيده لنسج علاقات حزبية عادية وتفيد السياسة... إنها ممارسة «اللاحرب واللاسلم» مع الحكومة. تسمح له بالتجاوب مع أية حالة - يقررها أو تفرضها عليه التفاعلات السياسية - من حالات التحالفات وتداعياتها العملية على الموقع الذي تستدعيه من إدارة الشأن العام... غدا.إذ أنه ليس كامل العضوية لا في المعارضة ولا في الحكومة، ومتصل بهما معا. المعارضة الهائمة، البارز فيها «العدالة والتنمية». هائمة، معنى حائرة وغير مستقرة في وضع المعارضة... المعارضة التي أرغم الحزب على البقاء فيها لحظة تشكيل الحكومة... وهو كان يسعى إلى تمكينه من «سونا» حكومية تغسله من موجبات الريبة تجاهه، التي حملها من أصوله في الوسط الإسلاموي المتطرف. وإلى اليوم ... يستمر الحزب في النقر على أبواب أحزاب وازنة في الحكومة، لا ليسحبها بتحالفه (المنشود) معها إلى موقعه. بل، لتضمه إلى مجلسها. وهو حزب هائم في معارضته، لأنه لم يستقر بعد في الفضاء السياسي كحزب سياسي خالص... تقوده ثلة وطنية، كفأه وخلوقة ولديه وزن انتخابي معقول وفريق نيابي ملحوظ بعدده ونوعية أعضائه،... مما يؤهله لممارسة معارضة سياسية منتجة لبديل برنامجي سياسي لبرنامج الحكومة... غير أنه يولد عن نفسه، صورة الحزب الهائم (العطشان) لماء لتشكله الأول، ماء الرحم الدعوية المرشدة إلى سواء السبيل... ليس إلا. الحزب منشغل باستنكار تزايد القبلات في الأفلام السينمائية المغربية ونمو نسبة الكلام «الفاحش» فيها والتنديد بما يرى في بعضها من الأفعال السريرية المشينة ... غير مهتم بمضامينها الثقافية والفنية... وعلى ذلك المنوال، يتابع المهرجانات الفنية، «بحس نقدي» كما لو أنه متعهد حفلات منافسة، يستنكر رقص الشباب فيها وزغاريد النساء، ويعترض على حضور بعض الفنانين بل وحتى يحتج على «انسجامهم» في الغناء. ليضع نفسه خارج ثقافة الديمقراطية وترسيخ الحريات، وفي مواجهة الإبداع والمبدعين ويبدو كما لو أنه يجر المجتمع إلى عهود عطنة وسحيقة في الماضي، بينما كل التحدي هو كيف ننجح في ضخ الأنسجة المجتمعية بالنسائم العطرة للمستقبل. وعلى المستوى الاجتماعي، الصورة التي يقدمها الحزب عن نفسه، أنه لا يشغله شاغل عن ترصد بقالات ومتاجر بيع الخمور والتظاهر أمامها، وانتقاء إحصائيات إنتاج الخمور ومعدلات استهلاكها وطنيا... و ليرفع خطر معاقرتها إلى درجة الكارثة الوطنية... ويصيح بتحريمها على المغربي المسلم كما لو أننا في أول تعرفنا على القواعد الإسلام... مغيبا حاجتنا إلى تكريس الحريات الفردية والتي تقيدها قوانين جارية، ناسيا أن البعض من تلك الحريات حسابها عند الله، وعند الله فقط وفي يوم القيامة. أتصور أن الحزب، كلما حاول أن ينصرف كلية إلى العمل السياسي المدني، باعتياره معارضة سياسية أولا، إلا وأعاده بعض قيادييه إلى منشئه الدعوي و«الأخلاقي»، الذي يرى الفساد وقد عم في الخلق والخلائق والبر والبحر، فيتداعوا إلى «الجهاد» ضده بأدوات العمل السياسي التي وجدت لتعبيد وتوسيع المسار الديمقراطي. أما المعارضة الحالمة، فهي المشكلة من أحزاب رفاقنا في«الاشتراكي الموحد» و«الطليعة» و«النهج»... الحلم بالتأكيد جميل ومتصل بنبل النوايا وطيب المشاعر تجاه هذا الشعب، بل وتجاه الإنسانية جمعاء... والممارسة «الحالمة» تلك، يساعد عليها «الانكماش» بعيدا عن مركز الحركية السياسية، بسبب ضعف الوزن الانتحابي، وبالتالي في المؤسسات التمثيلية لتلك الفصائل المعارضة، الوزن الذي يمتد من لا شيء إلى شيء قليل جدا... قلت ممارسة حالمة، لأن ما تعارضه في راهننا، لا يبدو له صلة لا بحكومة اليوم ولا بمغرب اليوم... معارضة دائمة خالصة لوجه الشعب، لهذه الحكومة ولكل حكومة مرت علينا أو ستأتي في مقبل الاستحقاقات السياسية، حكومة قد تكون في هذا البلد أو في البلدان المماثلة... وأكثر ما يستفزها لتعارضه بشراسة، أصولها وتاريخها الذي تسميه اليسار الحكومي... لأنه يفسد حلمها، ويخزها بواقعية حراكه للفعل في وقائع التاريخ، وليس انتظار التمتع بمطالعتها لاحقا، تخزها من وسادة «الأفكار الطيبة» التي تنام عليها لتنتج للبلد «أحلاما طيبة»، نتفاءل بها جميعا... ولكن لا تفيد في معارضة لتقويم عمل الحكومة. المهم أنها في صورة الوضع السياسي، في ركن قصي منه، يصدر عنها لحن شجن مفعم بالحنين... والصورة فعلا تحتاجه. في مشهد«اللعبة الديمقراطية» ... الريح تعوي جهة موقع المعارضة... وهذا ما لا يجعل اللعبة لعبة مثيرة، كما لا يجعل الديمقراطية ديمقراطية مكتملة. ولهذا نفهم كيف أن أطراف الحكومة، في بعض الحالات، تشتد عليهم الحاجة إلى المعارضة، فيشغلون، أنفسهم «بمعارضة» بعضهم البعض... وهو أيضا، من مفسدات، متعة، «اللعبة السياسية».