يرى عدد من المهتمين بشأن الهجرة أن إسبانيا، التي كانت قبل وقت قصير أحد البلدان الأكثر تسامحا في مجال الهجرة، غيرت موقفها بشكل جذري بعد تشديد سياستها المتعلقة بالهجرة. والإحصائيات الأخيرة التي تضمنها تقرير حول نتائج مكافحة الهجرة السرية، التي أشارت الى انخفاض عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين حاولوا دخول الأراضي الإسبانية خلال سنة 2009 بنسبة 45 بالمائة بالقارنة مع سنة 2008، بينت مدى التشدد الذي تصر عليه اسبانيا من أجل تدبير «الشأن الهجروي»، وهو ما لامسته عدد من الفعاليات الجمعوية والسياسية في اسبانيا عقب اصدار القانون الجديد للهجرة باسبانيا، الذي تجدد النقاش حوله بعد أن رفضت مدينة «فيك» الكتالانية احصاء المهاجرين غير الشرعيين مما سيجعلهم لا يستفيدون من مجانية الخدمات الاجتماعية مثل العناية الطبية والتعليم بالرغم من وضعيتهم المخالفة للقانون. إعداد: يوسف هناني جدد القرار الذي أثار جدلا بمدينة فيك الكتالانية بعد رفضها لإحصاء عدد المهاجرين في وضعية غير قانونية بها مثلما ينص عليه القانون بإسبانيا، النقاش حول سياسة الهجرة للحكومة التي تخشى توسع هذه القضية إلى بلديات أخرى في الوقت الذي يعيش فيه هذا البلد أزمة اقتصادية خطيرة. فبعد رفضها تسجيلهم كمقيمين، تحرم هذه البلدية المهاجرين في وضعية غير قانونية من الاستفادة مجانا من الخدمات الاجتماعية مثل العناية الطبية والتعليم حتى، وإن كانوا في وضعية مخالفة للقانون. وأدانت حكومة مدريد المركزية هذه المبادرة مؤكدة أنها مخالفة للقانون وللحقوق الأساسية للمهاجرين في وضعية غير قانونية وغير المسجلين مهددة باللجوء إلى العدالة في حالة تنفيذها في فبراير المقبل. وأكدت كاتبة الدولة المكلفة بالهجرة كونسويلو رومي، أول مسؤولة إسبانية تحركت قبل أن يتبعها أعضاء آخرون في الحكومة الاسبانية الذين أدانوا هذه المبادرة على غرار منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الانسان «إن هذه المبادرة غير قانونية وآمل في أن تتحرك إدارة بلدية فيك في سياق احترام القانون». واعتبرت نائب رئيس الحكومة ماريا تيريسا فيرنانديث دي لا فيغا ببرشلونة أن هذا الإجراء «سيبوء بالفشل» مضيفة أن إقامة جالية يقوم على «احترام الحقوق و ليس على الإقصاء». وذكر رئيس الحكومة خوسي لويس رودريغاز ثاباتيرو سلطات فيك بأن «المهاجرين في وضعية غير قانونية يتمتعون بحقوق» وأن الحكومة ستكون «صارمة» من أجل تحقيق التعايش. وتعتزم مختلف جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان التجند للتنديد أمام المحكمة الدستورية بقرار مدينة فيك واصفة إياه «بغير القانوني و معادي للأجانب». وترى الجمعيات أن «تلاعب» هذه البلدية «بالقوانين» يستجسب «لأغراض انتخابوية». ومن جهتها تتهم مجموعات مساندة المهاجرين تحالف ثلاثة أحزاب كتالانية التي تسير بلدية فيك باتخاذ هذا الإجراء لحصر تشكيلة صغيرة من اليمين المتطرف «الأرضية من أجل كاتالونيا» التي احتلت المرتبة الثانية في الانتخابات المحلية الأخيرة. ومن جانبه أدان الحزب الشعبي «اليمين» القوة الرئيسية للمعارضة التي طالما ناضلت من أجل تعزيز وتقوية سياسة الهجرة في إسبانيا مبادرة بلدية فيك واصفا إياها «بغير قانونية». وقد أكد الحزب الشعبي في وقت سابق أنه «يتفهم» دوافع هذه المدينة التي تواجه مشاكل إقتصادية لدفع تكاليف الخدمات الإجتماعية، سيما خلال هذه الفترة التي تتميز بأزمة إقتصادية والذي غير خطابه فجأة حول الهجرة في إسبانيا. كما دعا رئيس الحزب ماريانو راخوي من بالما دي مايوركا إلى تشديد السياسة حول الهجرة لعدم «خلق المزيد من المشاكل لدى المواطنين «الإسبانيين» مقترحا بشكل غير مباشر المزيد من التشديد». ودفع هذا الخطاب حول الهجرة المحور الرئيسي للإستراتيجية الإنتخابية الذي أعرب عنه اليمين الأوروبي على العموم الحزب الشعبي إلى الإنتخاب ضد الإصلاح الأخير لقانون الهجرة المصادق عليه في أكتوبر الفارط بفضل دعم حزب الباسك القومي وكونفارجانس والإتحاد «سي إي او القومي الكتلاني» الذي صعب من دخول المهاجرين إلى إسبانيا. ومن جانبها وصفت كاتبة الدولة المكلفة بالهجرة كونسويلو رومي الإثنين اقتراح الحزب الشعبي المتمثل في تشديد قانون الهجرة «بالتافه»، متهمة زعيم اليمين «باستعمال الهجرة لخلق مواجهة حيث أن كتلتها السياسية لم تتطرق في أي وقت إلى المسألة ولم تقدم أي اقتراحات في هذا الصدد». وفي هذا السياق أعربت عن أسفها لعدم تقديم أي تعديل من طرف الحزب الشعبي لتغيير هذا القانون لدى البرلمان مذكرة بأنه تمت منذ سنة 1997، مطالبة البلديات بتسجيل جميع السكان على سجل البلدية من طرف راخوي الذي كان حينذاك وزيرا للإدارات العمومية ضمن حكومة الرئيس السابق خوسي ماريا أزنار. وذكر وزير العدل فرانسيسكو كامانو أن نص القانون «واضح» فيما يخص إحصاء جميع سكان البلدية، مصرحا أن «كرامتهم البشرية محفوظة سواء كان لديهم وثائق أو لا و لا يمكن في أي وقت اعتبار الإحصاء كعائق لكرامة وحقوق الانسان. وقد أثار القانون الجديد حول الهجرة بإسبانيا جدلا واسعا وتعرض لانتقادات لاذعة من قبل العديد من منظمات الدفاع عن حقوق المهاجرين وجمعيات المهاجرين المقيمين بإسبانيا، التي رأت فيه قانونا يضرب بعمق حقوق ومكتسبات ومصالح المهاجرين، ويزيد من تضييق الخناق عليهم، ويمس بشكل خطير مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان في إسبانيا. كما شهدت مدن إسبانية مختلفة تنظيم العديد من المظاهرات الشعبية والوقفات الاحتجاجية، بتأطير وتنظيم من هيئات نقابية وجمعوية مهتمة بشؤون العمال والمهاجرين المقيمين بالتراب الاسباني، احتجاجا على دخول القانون الجديد للهجرة والمهاجرين حيز التنفيذ. فحسب هذه الجمعيت فإن القانون الجديد حول الهجرة يتضمن بنودا مجحفة في حق المهاجرين. ومن بين البنود التي تعرضت لانتقادات شديدة، تلك المتعلقة بمنع وتجريم المساعدات المقدمة للمهاجرين غير الشرعيين، وتمديد فترة توقيف المهاجرين في وضعية غير قانونية بمراكز الاحتجاز من أربعين إلى ستين يوما قبل ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بعد التأكد من جنسياتهم. وحسب الحكومة الإسبانية، فإن الرفع من مدة احتجاز المهاجرين غيرالشرعيين من 40 إلى 60 يوما قابلة للتجديد لمدة عشرة أيام حسب تقدير القاضي، أملته الصعوبات التي تواجهها السلطات في التأكد من جنسية هؤلاء المهاجرين غيرالشرعيين، فضلاعن الإجراءات المعقدة لترحيلهم. ويأتي هذا التعديل في الوقت الذي تضطر فيه السلطات الإسبانية إلى الإفراج عن عدد كبير من المهاجرين السريين الذين تجاوزت مدة توقيفهم أربعين يوما كما ينص على ذلك القانون الجاري به العمل حاليا. كما يتضمن القانون الجديد الذي جاء ليعوض قانون الأجانب الذي تم وضعه سنة 2001 في عهد رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق اليميني خوسي ماريا أثنار، التقليص من الحق في التجمع العائلي ليشمل فقط القاصرين أقل من 18 سنة والأبناء البالغين أزيد من 18 سنة الذين يعانون من إعاقة. وينص القانون الجديد كذلك على أن آباء المهاجرين الشرعيين البالغين من العمر 65 سنة فما فوق وحدهم يمكنهم الاستفادة من التجمع العائلي بشرط أن يبرر أبناؤهم إقامتهم بإسبانيا بكيفية قانونية لمدة خمس سنوات. وكانت العديد من الاحصائيات قد أكدت ارتفاع عدد المهاجرين القادمين إلى إسبانيا من خلال التجمع العائلي، وذلك بالرغم من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تمر منها إسبانيا حاليا، والتي تسببت في فقدان أزيد من أربعة ملايين منصب شغل. كما أن فصول القانون الجديد تمتد أيضا إلى المهاجرين القانونيين، إذ تفرض على المهاجر الذي قام بدعوة أحد أفراد عائلته إلى إسبانيا، وتبين أن هذا الأخير لم يغادر التراب الإسباني فور انتهاء مدة التأشيرة بأداء غرامة مالية. وحسب ما جاء به القانون الجديد، فإنه يحق للمهاجرات اللواتي يوجدن في وضعية غير قانونية تسوية وضعياتهن في حال ثبوت تعرضهن للتعنيف الجسدي. ومن الإيجابيات التي جاء بها القانون الجديد تشديده بقوة على الشركات وأرباب العمل الذين يشغلون مهاجرين في وضعية غير قانونية، إذ سيعاقبون بأداء مبالغ مادية مهمة تتراوح بين 10 و 100 ألف أورو كعقوبة على مخالفتهم لقانون الشغل، مع تحميلهم المصاريف التي يتطلبها ترحيل المهاجر السري. ويرى عدد من المهتمين بشأن الهجرة أن إسبانيا، التي كانت قبل وقت قصير أحد البلدان الأكثر تسامحا في مجال الهجرة، غيرت موقفها بشكل جذري بعد تشديد سياستها المتعلقة بالهجرة. وأوضحت وزارة الداخلية الاسبانية أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى السواحل الاسبانية انخفض خلال سنة 2009 بأزيد من45 في المائة. وأشارت خلال تقديمها للحصيلة السنوية لمكافحة الهجرة السرية، أن قوات الأمن الاسبانية اعترضت 7285 من المهاجرين غير الشرعيين الذين حاولوا دخول الأراضي الإسبانية خلال سنة 2009 وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 45.7 في المائة مقارنة مع سنة 2008.