كنت أومن إيمان العجائز ألا قاسم مشترك لدي مع الإسلامي عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى أن اكتشفت، قبيل أيام، وجود مثل هذا القاسم. أجل، فمثلي في ذلك مثل بن كيران، لم أشاهد إلى حد اليوم شريط «الرجل الذي باع العالم» للمخرجين الأخوين سهيل وعماد نوري. وإذا صدق الصديق الناقد حسن نرايس، الذي تمتع بالفيلم بمناسبة عرضه في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي الدولي، فالشريط يستحق المشاهدة والتنويه، وهو الرأي الذي عبر عنه أيضا العديد من المهتمين بالشاشة الكبرى والمتتبعين لشؤونها وجديدها. وربما يجسد فوز بطل الشريط، الممثل سعيد باي، بجائزة أفضل دور رجالي خلال مهرجان دبي الأخير، سندا يدعم رأي الداعين إلى مشاهدة الفيلم والمنوهين به. أما السيد بن كيران، فهو يخالفهم الرأي رغم أنه لم يشاهد الفيلم مثلي، ولا ينبني موقفه المناهض هذا على اعتبارات فنية، بل على «ما راج حول تضمنه لكلام يتجرأ صاحبه على الله سبحانه وتعالى، علاوة على تضمنه مشاهد مخلة بالأداب العامة» حسب منطوق الرسالة التي وجهها حامل مصباح ال»بي. جي.دي» إلى الوزير الأول، مطالبا عباس الفاسي ب»التحقيق في الموضوع إحقاقا للحق وصيانة للمقدسات، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي تقتضيها مسؤوليتكم»، لا أقل ولا أكثر! إنها دعوة صريحة لمغربة محاكم التفتيش بناء على تأويل بعيد كل البعد عن المعايير الفنية والإبداعية. خاصة وأحداث الشريط، المقتبس من رواية «قلب ضعيف» لدوستويفسكي، تدور بمدينة مجهولة من بلد مجهول مزقته الحرب، بل وفي تاريخ مجهول أيضا، مثلما تحمل أسماء غير واقعية كي لا تحسب على انتماء أو هوية محددة. فما الرياضة الذهنية الخارقة التي وظف السيد بن كيران قدراتها التأويلية الاستثنائية لربط المقصلة التي يريد نصبها للأخوين نوري ب «صيانة المقدسات» هنا والآن؟! ها نحن إذن في حضرة محكمة تفتيش متأسلمة وممغربة جديدة، يبتغي مناهضو حرية الإبداع استدعاء «الرجل الذي باع العالم» للمثول بين يدها، مثلما سبق لهم أن اقترفوا الأمر ذاته ضد «كازانيكَرا»، «حجاب الحب»، «سميرة في الضيعة» والبقية ستأتي لا محالة مع الأيام... أما العبد الضعيف الموقع أعلاه، ف «سيستأصل» (عفوا على هذه الاستعارة من قاموس البيجيدي) القاسم المشترك الوحيد بينه وبين بن كيران إلى حدود الآن، إذ سأذهب إلى قاعة السينما لمشاهدة «الرجل الذي باع العالم» بمجرد انطلاق عروضه بالقاعات، بل لن أكتفي بهذا، بل سأقوم بالدعوة (!) لمشاهدته نكاية في كل دعاة نحر الفن والإبداع. من يحب الحياة يذهب إلى السينما... وليس إلى غرف الرقابة المعتمة.