توزعت الآراء والمواقف والاتجاهات بخصوص قضية أمينتو حيدر، وهذه الآراء توزعت، سواء في ما يخص «طردها» من المغرب بعد التنكر لجنسيتها المغربية أو بعد عودتها الى الوطن. الاختلاف في الرأي، أو في الموقف من هذه القضية، هو علامة على أن المغرب لم يعد مغرب الرأي الوحيد أو الاتجاه الوحيد، لكن الملاحظ هو أن الخلاف انصب حول المعالجة وحول الكيفية التي تمت بها مباشرة الامور، أما في ما يخص الجوهر، فإن كل الآراء التي تباينت أو اختلفت حول أسلوب المعالجة، كانت على اتفاق مع الجوهر وهو أنه ليس من حق حيدر أن تتنكر للجنسية المغربية مادامت تعيش في إقليم صحراوي أو مدينة صحراوية تحكمها القوانين المغربية. في ما يخص «الطرد» من المغرب، فإن الاتجاهات توزعت كما يلي: الاتجاه الاول، يقول إنه كان على المغرب ألا يسقط في الاستفزاز، لأن كل الخصوم بعد اعتقال التامك ومن معه لن يدخروا أي جهد لمعاكسة المغرب ومناوشته. وفي هذا الإطار كان اختيارهم موفقا، حيث تم توظيف أمينتو، أولا لأنها امرأة، وثانيا لأنها حصلت على جائزة أمريكية، حيث تكفل حماية أمريكية لمدة سنتين. ويضيف أصحاب هذا الاتجاه، في القول، إن البوليزاريو ومعه المخابرات الجزائرية، كان هدفهم هو أن تموت حيدر لتصبح في نظرهم «شهيدة الحق في تقرير مصير الشعب الصحراوي»، كذا أي أنها كغيرها من الذين تم أو يتم توظيفهم مجرد حطب، وإلا كيف نفسر صمت هؤلاء حول إضرابها عن الطعام، ما عدا إذا كان الاضراب عن الطعام مجرد مسرحية أو تمويه، كما كتبت بعض الصحف التي قالت بأنها كانت تأكل في الليل أو في المرحاض. أو كما تساءل القنصل المغربي في لاس بالماس حين قال: كيف يمكن لمضرب عن الطعام بعد أسابيع أن يتحدث في الهاتف النقال بتلك القوة، وذلك الايقاع الصوتي، وأن يكون كلامه مسموعا؟. الاتجاه الثاني، هذا الاتجاه الذي كان يؤكد ويردد بأنه مادامت أمينتو حيدر تنكرت لجنسيتها، فليس من حقها العودة الى المغرب، وأن أية عودة لها، ينبغي أن تكون مشروطة أولا باعترافها بالجنسية المغربية، وثانيا باعتذارها لجلالة الملك. ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الذي ينبغي أن يقدم لها الجواز هم الجزائريون وليس المغاربة لأنها حين تسلمت الجائزة الامريكية كانت ملفوفة بالعلم الجزائري. هكذا توزعت الآراء قبل العودة، لكن ماهو الموقف بعد أن عادت الى العيون: هل هناك اختلاف في الرأي أم ان المغاربة على موقف واحد؟. بالطبع، هناك اختلاف، لأن هناك من يعتبر إعادتها الى المغرب، بعد تدخل الاممالمتحدة واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدةالامريكية، تأكيد من هؤلاء على أن من حق المغرب أن يطبق في حق هذه السيدة القوانين المغربية وهذا يمثل في العمق اعترافا ضمنيا بسيادة المغرب على صحرائه. وهناك من يعتبر هذه الاعادة، هزيمة للمغرب الذي كان يمكن ان يتجنب كل هذه الضغوط لو تعامل مع المسألة منذ البداية بمنطق الحذر والانتباه، لأن تصرف أمينتو ليس تصرفا شخصيا ولكنه يندرج ضمن مخطط عام تحركه الاجهزة والمخابرات الجزائرية. لكن ما حدث قد حدث، فلقد عادت حيدر الى العيون، وما كان لافتا للنظر، هو أنه خلال اضراب هذه السيدة عن الطعام (31 يوما) لم تقع أية حركة تضامنية أو احتجاجية من طرف ما يسميه البعض ب«بوليزاريو الداخل» وهو ما يعني أن الامر يتعلق بفئة قليلة العدد، ما يحركها في العمق هو ردود فعل قد تكون لها خلفياتها الاجتماعية أو العائلية، أما الخلفيات الانفصالية فإنها اذا ما وجدت، فلا تحركها زعامات سياسية أو قبلية، ولكن يتم تحريكها من الخارج باستغلال فورة بعض الشباب الصحراوي وتطلعاته المشروعة. إذن ما حدث حدث والسؤال الآن، هو ما بعد امينتو؟ كيف يمكن مواجهة الاشياء بعد هذا الحادث الذي يمكن أن نعتبره مجرد حادث عارض أو طارئ في مسيرة النضال المغربي من أجل الوحدة الترابية. وأول ما ينبغي عمله هو الانكباب على استخلاص الدروس من هذا الحادث، وطرح جملة من الاسئلة على كل الفاعلين والجهات والاطراف التي يهمها ويعنيها بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، ملف الصحراء المغربية . إن هناك العديد من الاسئلة المطروحة على الديبلوماسية المغربية وعلى الاجهزة الادارية أو الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة كيف أن ملف الصحراء، أصبح ملفا محفوظا أو محتكرا من طرف جهات معينة، حيث همشت الحكومة والاحزاب والمؤسسات الدستورية، أي أن الملف لم يعد ملف إجماع وطني، بقدر ما أصبح ملف وزارة أو وزارتين (الداخلية والخارجية) ولكن بالمقابل، يمكن القول، إن هذه المؤسسات( الاحزاب والنقابات والمجتمع المدني) همشوا أنفسهم وأن قوة الاخرين تستمد من ضعف هؤلاء! لهذا ينبغي تقويم الاشياء وكما يقول المثل «رب ضارة نافعة». وما حدث يطرح مراجعة طرائق المعالجة بكيفية شمولية، وان يتحرك الجميع وفق منهجية واضحة وخطة مرسومة ومدروسة، التحرك الدائم والمستمر وليس التحرك الظرفي أو الطارئ الذي يكون تحت الطلب أحيانا. وفي هذا الصدد، لابد من مراجعة عملنا الديبلوماسي، وأكثر من هذا مراجعة السلوك والاساليب التي تدار بها الاشياء داخل الاقاليم الصحراوية. لقد هيمنت خلال مرحلة معينة المعالجات الامنية، والمراهنة على الاعيان وهو ما أدى الى بروز تيار داخل الصحراء مضاد لهذا التوجه . كما هيمنت في مرحلة أخرى، سياسة الانفتاح على ما سمي ب«بوليزاريو الداخل» وهي المرحلة التي لم يوظفها المغرب لصالحه ووظفها خصوم وحدتنا الترابية والجهات التي تحركها المخابرات الجزائرية. والحقيقة أنن التامك وأمينتو هما معا منتوجا هذه المرحلة. ولهذا وعلى ضوء هذا، يمكن ان نشير الى أنه يتعين علينا أن نجتهد وأن نبحث لتدشين مرحلة ثالثة تتجاوز تلك المعالجة ذات الابعاد الثلاثة (أمن أعيان انفتاح على انفصاليي الداخل) الى مرحلة جديدة يتم فيها الانفتاح بالاساس على جيل جديد من الصحراويين، لا تحركهم لا الدوافع القبلية أو الانفصالية ولكن يحركهم الهاجس الوحدوي. وهؤلاء لا يمكن الانفتاح عليهم إلا بتظافر كل المكونات السياسية والثقافية والجمعوية داخل الاقاليم الصحراوية. ومن هنا علينا أن نجعل ما حدث، مدخلا لصياغة عمل جديد باأسلوب جديد ومقاربات جديدة، تتجاوز المخططات المكتبية الى المناهج الميدانية، وتتخطى المعالجات الامنية للوصول الى المعالجات ذات الابعاد السياسية. ما حدث يؤكد أن المعركة من أجل الوحدة، معركة ستطول حيث لا تلوح في الافق ملامح الانفراج المطلوب، وهو ما يحتاج الى أنفاس جديدة والى تجديد مستمر للخروج من الروتينية والطابع البيروقراطي الذي يهيمن على الديبلوماسية المغربية بأشكالها المتعددة.