عبد المجيد بن الطاهر -:فيما يهتم الاعلام الاجنبي بالقيمة السياحية و الحضارية للمدن المغربية ذات البعد الحضاري العميق مثلما فعلت صحيفة "لكامرا" الإسبانية في نسختها الإلكترونية، عندما سلطت الأضواء الكاشفة عن واحة فجيج المغربية، التي وصفتها ب"البقعة الساحرة بامتياز" وب"الواحة الأكثر قربا من أوروبا"، التي يقف كل من حل بها وقفة تأمل واعجاب بمساجدها وأبراجها وجبالها و موروثها الثقافي والمعماري...و انفتاحها على أبناء فجيج من خلال إجرائها للقاء مع عبد الحفيظ بوبكري أحد أبناء فجيج المقيم بإسبانيا....فما الذي يجعل فجيج خارج كشافات الضوء، و تعيش طابع العزلة- برغم من أنها توصف ب "البقعة الساحرة"- منتظرة يد الإحسان و الصدقات، ألا يمكن اعتبار أثرياء فجيج جزءا أساسيا في هذه المعادلة؟ تكاد تعتقد وأنت تلج إقليم فجيج عبر بوابته مدينة بوعرفة، أنك داخل إلى قلعة محروسة، فعند مداخل المدينة تنتصب الحواجز الأمنية الدائمة لمراقبة القادمين من غير أبناء المنطقة، إلى هذا الإقليم الذي يبدو أشبه بثكنة محاصرة أمنيا وترابيا بحكم متاخمتها للحدود المغربية الجزائرية... وهو وضع يعكس ويكرس، حسب الفاعلين الجمعويين بمدينة بوعرفة ممن التقينا بهم، طابع العزلة والتهميش التي تعاني منه المنطقة منذ أكثر من خمسين سنة، دون ان تحظى بحقها في التنمية الإجتماعية والإقتصادية لضمان كرامة الإنسان بهذه المنطقة المنكوبة... فالفقر بإقليم فجيج الذي تجاوز سقف 27.09 في المائة، أدى إلى تنامي ظاهرة النزوح الجماعي لساكنة المنطقة نحو الجزائر تعبيرا منهم عن رفضهم للأضاع المزرية التي باتوا يعيشونها في ظل هذا الإقليم المغلق منذ عقود، وتصاعد الحركات الاحتجاجية التي شهدتها كل مدن الإقليم وقراه يوم السبت 29 أكتوبر 2005: وقفة بفجيج، بوعنان وبني تجيت، مسيرة احتجاجية وأحداث دامية بمدينة تالسينت دامت يومين متتاليين ، جوبهت بالقمع و الاعتقالات وإطلاق الرصاص، مسيرا ضد غلاء فواتير الكهرباء والماء وضد غلاء المعيشة، يعلق كبوري الصديق الفاعل الجمعوي ببوعرفة، في الوقت الذي كان فيه من الضروري معالجة قضايا المنطقة بمقاربة اقتصادية، خصوصا وأن الإقليم يتوفر إمكانيات وعلى رؤوس أموال يمكنها لوحدها أن تنفض غبار الفقر والتهميش والعزلة عن المنطقة، فما الذي جعل هذه الرأس المال الفجيجي يفضل الاتجاه نحو خارج فجيج وبوعرفة وتالسينت وبوعنان. صحيح أن فجيج، حسب أحمد اسباعي عضو اليسار الإشتراكي الموحد، وبرلماني سابق، تتوفر على عدد كبير من رؤوس الأموال المنتمية إلى إقليم فجيج وبالضبط إلى مدينة فجيج ...لكن هؤلاء الأثرياء فضلوا استثمار أموالهم خارج المنطقة، لأعتقادهم أن إستثمار هذه الأموال بشكل يضمن لهم الربح السريع، يجب أن يتم في مدن ومناطق لها بنيات استقبال و كافة الإمكانيات التي من شأنها أن تساعد على نجاح المشروع الإستثماري، وفي ظل غياب هذه المؤهلات بمدينة فجيج والإقليم ككل، وعدم تحمل الدولة لمسؤولياتها تجاه واقع التهميش والعزلة و" الحكرة" الاقتصادية والاجتماعية الذي تعرفه المنطقة يتم التشجيع على تهريب الإستثمارات إلى مناطق أخرى، وإلى جانب هذه الأسباب، يؤكد، المتحدث، أن غياب الروح الوطنية لدى أثرياء فجيج بتحكيمهم منطق الربح السريع على حساب منطقتهم، ساهم هذا الغياب في تكريس عزلتها وتهميشها رغم ما تتوفر عليه من مؤهلات مالية واقتصادية وطبيعية قد تكون حافزا استثماريا. و يعتقد احمد السهول مدير جريدة "فكيك صوت الجنوب الشرقي" الصادرة من المنطقة، أن مسؤولية تنمية المنطقة ترجع بالأساس إلى الدولة المغربية التي تناست بل وتجاهلت هذه تاريخ فجيج النضالي، ولم تمنحها حظها من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياحية، ويضيف، أن أثرياء مدينة فجيج الذين فضوا إستثمار أموالهم بمدن الدارالبيضاء وفاس والرباط ووجدة بسبب بعد المنطقة عن الأقطاب الإقتصادية، وإكراهات التنقل والتسويق، ، لم يتناسوا ولم يتجاهلوا منطقتهم بالرغم من وجودهم خارج الإقليم، ودليله في ذلك، أنهم مازالوا يقدمون الدعم والمساندة للعمل الجمعوي الذي يعرف بالإقليموالمدينة أشعاعا منقطع النظير على حد تعبيره، بالإضافة لدعمهم للعمل الإحساني مثل بناء المساجد، ودعمهم للمؤسسات التعليمية...صحيح، يضيف مدير الجريدة، أن هذا الدعم الذي يقدمه أبناء فجيج من الأثرياء لا يلبي انتظارات المنطقة، لكنه يدخل في خانة انقاذ ما يمكن انقاذه، في ظل تخلي الدولة عن دورها التنموي. ومن جهته يرى عبد السلام الكوش، الفاعل الجمعوي بمدينة فجيج والموظف ببلدية المدينة عبد السلام الكوش ، أن تخلي أثرياء فجيج عن بلدتهم واستثمار أموالهم بمناطق أخرى وبخاصة بمدن المركز، راجع إلى مشاكل المرتبطة بالوضعية العقارية للمنطقة التي تتحكم فيها بشكل كبير أراضي الجماعات السلالية، مما يصعب معها خلق فرص الإستثمار، وتحكم منطق الربح السريع في عقلية أغنياء فجيج طالما أن منطق الربح السريع غير مضمونة بالمنطقة التي لا تتوفر على بنيات استقبال لهذه لمشاريع لأغنياء فجيج، غير أن عمر بن علي عضو جمعية المستقبل للتنمية بفجيج، يؤكد على أن أغنياء فجيج، إن كانوا قد هربوا أموالهم نحو جهات مغربية أخرى، إلا أنهم شديدوا التواصل مع منطقتهم، من خلال دعمهم للمدارس، والمرافق العمومية، بل ومازالوا يصرفون على الأيتام والأرامل عبر تخصيصهم بأجر شهرية تصلهم كل شهر، رغم مغادرتهم للمنطقة في اتجاه مدن المركز لاستثمار أموالهم. النقابي مولاي الحسن عماري، أحد أبناء فجيج، يؤكد على أنه بالرغم من أن فجيج تتوفر على صنفين من الأثرياء: الأثرياء الإقتصاديين والأثرياء المثقفين من الإقتصاديين إلا أن أثر هذه النعمة غير بادية على المدينة، ذلك لأن هؤلاء لم يقدموا لجهتهم أي قيمة مضافة، عدا الصدقات ذات الطابع الإحساني التي يحاولون ربط جسور التواصل بها مع المنطقة.