محمد حلمي الريشة، شاعر فلسطيني من مواليد نابلس سنة 1958، نال درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الإدارية (محاسبة وإدارة أعمال) من جامعة النجاح الوطنية نابلس سنة 1982، وعمل في عدة وظائف في مجال تخصصه حتى سنة 2000. عمل محررا ثقافيا في صحيفة "الحياة الجديدة"، شارك في عديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية، وترجمت أعماله الشعرية والنثرية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والبلغارية والإيطالية والإسبانية. ويعمل حاليا رئيس تحرير السلاسل الثقافية في المؤسسة الفلسطينية للإرشاد، ومستشار تحرير مجلة "الشعراء" ومجلة "أقواس"، اللتين تصدران عن بيت الشعر في فلسطين. من هو الشاعر محمد حلمي الريشة في كلمات؟ اسألوها.. اسألوا القصيدة.. قصيدتي. مما لا شك فيه أن الأماكن الأولى للشاعر تنقش في أحاسيسه مذاقا خاصا، فماذا نقشت مدينتك (نابلس) في ذاتك وفي قصيدتك؟ تشعرني (نابلس) بأنها معنى/ دلالة الجاذبية الأرضية، فهي مشكلة من جبلين مقوسين وواد بينهما، كأنها النصف العلوي لجسد امرأة في تألقها الأبدي، فلا يهرم أو يشيخ. (هي رابع مدينة في العالم من حيث النشأة). لذا فإن نظري كان يصطدم بجبليها(نهديها)، وأنا واقف في المسافة الضيقة جدا بينهما، فأرفع بصري إلى الأزرق العالي، وأردد "أنا من هناك من السماء فمن على الدنيا رماني؟" (أبو الطيب المتنبي). لم أكتب عنها/ لها سوى قصيدة واحدة/ يتيمة عنوانها (هذه الغابة وخريفي أنا)، أقطف منها: "صدرك يكسرني غصنا في غابته/ توجعني الريح المتلعثمة الحركات/ ويهب على رفة عيني../ وجهك.. توأم أفكاري/ لونك.. لوني/ فلماذا تتحول عني الأحلام الصعبة والنجمات؟". قد تستغرب من أنني لم أغادرها إلا بعد أن بلغت الأربعين من العمر! ثم كانت خرجات مؤقتة لأهداف ثقافية وأدبية لبضعة أيام. ما هي تفاصيل طقوس كتاباتك؟ ما من طقوس معينة لكتابة الشعر الإبداعي، ولا لأي جنس إبداعي آخر. أستغرب جدا حين أسمع عن طقوس لا بد منها للشاعر، لكتابة الشعر! هذا الكلام تكشف نقيضه إشراقة القصيدة البرقية في أي زمان ومكان وحالة. هذه الإشراقة تنده الشاعر من ذاته الشعرية، حتى لو أن الفاعل فيها عاملا خارجيا. "الشعر في نهاية الأمر ذاتي قلبا وقالبا، ولكنه يجب أن يكون بمعنى من المعاني إنسانيا عاما أيضا." (ماريان مور). كم من القصائد لم تكن بسبب أن شاعرها لم يكن جاهزا لإشراقتها، أو غافلا عنها، أو غائبا في حضورها اللحظي؟ إن التقاط الشاعر لإشراقة القصيدة تكون في انتباهته الدائمة، فيسرع لتدوينها في الذاكرة بترديدها، أو على قصاصة ورق، أو على علبة لفائف تبغ، أو على كفه، لأنها قد تكون مشروع/ بداية قصيدة، أو قصيدة كلها. المتتبع لمسيرتك الأدبية، يجد أنه إضافة إلى ريادتك الشعرية لأكثر من ثلاثة عقود مع بعض الأسماء الشعرية في العالم العربي، فأنت تترجم على مستوى عال من الإبداع، وتنشر لك باستمرار أبحاث أدبية في المجلات العربية المحكمة، فما هو الجنس الأدبي الذي تجد فيه نفسك؟ الشعر، بالتأكيد، أولا وأخيرا، أجده في نفسي وأجد نفسي فيه. لا إراديا، نذرت له جل حياتي. أعرف أن هذا كان على حساب أشياء كثيرة أخرى لها ضروراتها لي (يمكن للشاعر أن يكون ذاتيا، لكن لا يليق به أن يكون أنانيا) ولآخرين يخصونني (أعتذر لهم بعد كل قصيدة) في الحياة، لكنني لم أستطع الفرار من إشراقاته المذهلة بهزاتها الوحشية، والتي تردك وترديك حيا في حضنه الأنثوي، "الشاعر الجيد هو الشخص الذي يتمكن في عمر كامل من الوقوف في مهب عاصفة رعدية فيصعقه البرق خمس مرات أو ست، أو عشر مرات أو عشرين، والشاعر الجيد إنسان عظيم" (راندول جاريل) رغم بضع محاولات إرادية (في الشعر يغلب اللاإرادي الإرادي) حاولت افتعالها، خلال حياتي في الشعر، لعدة أسباب معنوية ومادية، لكن فشل نجاحها كان ينتصر للشعر ضد (سوء) نية الشاعر بالإفلات من استدارة يدي الشعر حوله بحنان. ماذا أضافت إلى تجربتك نصوصك المترجمة إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والبلغارية والإيطالية والإسبانية؟ لست أعرف، فلم يصلني، أو رأيت أو توصلت إلى أي أثر. كانت ترجمات لها أسباب مترجميها، منها ما كان بفعل شخصي منهم، ومنها ما كان لأنطولوجيا فلسطينية، وربما لأهداف أخرى. أخيرا، رأيت صدفة نصا شعريا لي مترجما إلى الفارسية، ويبدو أنه أعجب المترجم، فأخذه من مجموعة، أو مجلة، أو جريدة، أو موقع إلكتروني، وترجمه، ومن ثمة نشره في موقع لغته الفارسية. هذا يغبطني دون شك، وأفرح للشاعر على ما يجري ترجمته. هل تتابع الحركة الشعرية المغربية؟ ما رأيك فيها؟ ليس بشكل تستحقه، نظرا لقلة ما يصلني منه، وهنا ألوم طرفين، الشعراء وأنا، لعدم بحثنا عن بعضنا من أجل تواصل شعري، وغير شعري، ضروري للطرفين، لكن هذا لا ينفي توصلي وتواصلي مع بعض منهم، وكانت البداية مع الشاعر المبدع محمد بنيس، والذي أطلعني على عدة تجارب شعرية مغربية ونقدية (أشير هنا إلى أنني لا أؤمن بجنسية الشعر)، وأستطيع اختصار نظرتي بأنني أرى أن حركة الشعر المغربي- وهي حركة أصيلة في المشهد الشعري العربي- في شهية إبداعية مدهشة نوعا لا كما، كما هو الحال في أي مشهد في العالم. يلاحظ في المشهد الثقافي العربي هيمنة الشعرية المشرقية على المغربية عبر التاريخ، وهو موضوع سال العديد من الأقلام لاجتثاث الأسباب في ذلك خصوصا في المغرب، ما السبب في رأيك؟ ليست بمعنى الهيمنة، بل بمعنى الحضور والوجود والفاعلية في مساحات وساحات المشهد الثقافي العربي، من خلال وسائل النشر والإعلام والانتشار، والتي استطاع بها المشرق العربي (ليس كله، نذكر مصر والعراق ولبنان، لأكثر من عامل) تقديم وتعميم خطابه الثقافي، في حين أن المغرب العربي كان ينتج/ يظل في مكانه، وكما نعرف فإن النتاج الثقافي لا يستطيع عبور المسافات الأفقية بقوة الإبداع فقط، لأن تناميه يرتفع عموديا في/ من مكانه بمكانته، ولذا فهو يحتاج إلى وسائل/ حوامل سابحات كي تنقله إلى أفضية أخرى. الحقيقة التي أراها/ أقرؤها/ أشعرها أن المغرب العربي، ومنذ مدة لا بأس بها، يتفوق ثقافيا/ إبداعيا، خصوصا في الدراسات الأدبية النقدية، والإبداع الشعر ي، والقصصي. والحقيقة الأجمل أن ننظر إليهما (المشرق المغربي والمغرب المشرقي) أنهما يدان تعملان بإتقان من أجل جسدها/ جسد الثقافة العربية، المنادى عليها/ المأمول بها/ المنتفضة حرية إبداع، وإبداع حرية. ............. أصدر أول أعماله الشعرية "الخيل والأنثى" 86 / 90/ 1995 أصدر "ثلاثية القلق" 2011 حاز جائزة المهاجر العالمية للشعر