انتقلت جمعية أصدقاء المريض يوم السبت 20 مارس 2016 إلى عائلة السيد الحبيب م. لتفقد حالة ابنها المريض الطفل محمد سالم ذي الست سنوات. و بعد الاطلاع على الوثائق الطبية، تبين لللجمعية أن الطفل عرض على قسم المستعجلات بالمركز الإستشفائي الجهوي مولاي الحسن بالمهدي بالعيون يوم 17 مارس 2016 فخضع لتحليل عينات من الدم مرتين على التوالي بل طالبوه بإعادة التحليلات مرة ثالثة خارج المستشفى بأحد المختبرات الطبية بالمدينة، غير أن والده لما أضنته كثرة التحاليل فضل اللجوء إلى إحدى عيادات طب الأطفال التي وصفت له دواء قبل أن يسلم أمره إلى الله و يعود إلى بيته بأدوية يبدو أنها مخصصة فقط لعلاج أعراض المرض التي ظهرت في شكل التهاب و جروح على مستوى اللثة. غير أننا بمجرد مراجعة نتائج التحاليل و قراءتها على ضوء الاستشارة الطبية عبر الهاتف النقال مع أطباء من أصدقاء الجمعية، تبين لها أن الطفل يعاني من نوع من فقر الدم يتميز بانخفاض إنتاج الهيموغلوبين إلى ما تحت الحد الأدنى ودقة خلايا الدم الحمراء دون حجمها العادي microcytose و أن حالته خطيرة، مما استدعى نقله فورا إلى مستشفى مولاي الحسن بن المهدي حيث تمت معاينة حالته من جديد على أيدي أطباء متدربين الذين طالبوا بإعادة التحاليل التي بحوزته رغم أنها تمت بالمستشفى ذاته و رغم أن أعراض المرض بادية على الطفل فهو شاحب اللون منهك القوى و شبه غائب عن الوعي و جسده مثخن بآثار الحقن و لثة أسنانه ملتهبة إلى حد التشقق الدامي. و أمام إصرارنا تم الاكتفاء بإجراء تحليلة البول و القبول بإلزامه سرير المستشفى في جناح الأطفال بعد الاتصال هاتفيا بالطبيب المختص المسؤول و هو غائب خارج الإقليم رغم خضوعه لنظام الديمومة. غير أن ما هال حقا الجمعية وهي تواكب هذه الحالة و كيف تعاملت معها مؤسسة صحية كبرى من حجم مركز استشفائي جهوي هو عمق الاختلالات التدبيرية و طبيعة الممارسات و الأساليب و الحيل المستعملة للتغطية عليها و محاولة إضفاء الشرعية و المعقولية و القبول الجماعي على وضع صحي غير صحي البتة. فحين يصدق العزم منا على الانخراط في خدمة صحة المواطنين لاسيما لما تكون حياة الإنسان في دائرة الرهان و المخاطرة، لابد من العمل على إجلاء الحقائق في زمن دفن الحقائق في سبيل توعية المواطنين و تنويرهم و تعبئتهم حتى لا يظل أغلى ما في الإنسان تحت رحمة أسوأ ما في الإنسان. التهاون في تقدير حالة المريض و عدم بذل العناية الكافية أثناء تشخيص المرض لقد عرض الطفل على قسم المستعجلات بالمستشفى يوم 17 مارس 2016 و خضع لتحاليل الدم مرتين، و رغم أن بيانات التحاليل تكشف بوضوح عن انخفاض مهول يصل إلى ما تحت الحد الأدنى من يحمور أو خضاب الدم (Hemoglobine) و كذا نقص مقلق في قريصات أو لويحات الدم ( plaquettes sanguine) ، فقد تمت مطالبته بإجراء تحليلة ثالثة خارج المستشفى قصد التحق من دون حتى عرض الطفل على الطبيب المختص بالمستشفى مع أن حالته التي أثبتت خطورتها التحاليل على مرتين كانت تستدعي إدخاله المستشفى على الفور. و هذا الأسلوب في التشخيص يطرح مسألة الثقة في نتائج الأجهزة الطبية و لابد أن يكون له ما يفسره. إذ لا يعقل أن يستعمل المستشفى أجهزة يشك في نتائجها و يدفع المواطنين إلى أداء ثمن استعمالها كي يتم إرسالهم في النهاية إلى مختبرات خارجية تحظى بثقة الأطباء و تذبح جيوب المواطنين و تسرق زمن الإنقاذ من المريض. فإلى متى تظل مستشفياتنا تثق في الآخرين و لا تثق في ذاتها ؟ و إلى متى يظل أطباؤها يكذبون أجساد المرضى و أجهزة الطب العمومي و يصدقون أوراق القطاع الخاص ؟ فلماذا المبالغة في التشخيص و إعادة التحاليل مع أن هناك شيء اسمه أعراض المرض (symptômes) التي كان ينطق بها جسد الطفل إن لم نقل يصرخ بها ؟ لقد ولى زمن "اللي قالها الطبيب هي اللي كائنة" و لم يعد الطبيب وحده يمتلك سلطة الحقيقة بل أصبح لزاما عليه بذل عناية صادقة تتفق مع الظروف القائمة و الأصول الثابتة في علم الطب و درجة التقدم العلمي الذي وصله علم الطب في علاج مرض المصاب. صحيح أن للمجال الصحي تقنياته و خصوصياته و صحيح أيضا أن على مهنيي الصحة اتخاذ ما يلزم من الحيطة و الحذر قبل تجريب أي علاج و لكن يجب ألا يتخذ كل ذلك ذريعة للإخلال بالالتزامات و تعريض حياة المرضى للخطر لأن من واجب المرفق الصحي كذلك توفير الظروف الملائمة لاستقبال المرضى و علاجهم و توفير الخدمات الطبية بمختلف أنواعها و التقنيات و الأجهزة و الكفاءات المهنية المطلوبة حسب كل حالة لتقديم العلاج و العناية الطبيتين اللازمتين، و كل تقصير أو إهمال في هذا الجانب تتحمل تبعاته الدولة باعتبارها المسئولة أساسا على صحة المواطنين..فكم من حياة ضاعت بسبب الإفراط أو التفريط ..و كم من مريض فقد فرص الإنقاذ في طور التشخيص من جراء الأخذ و الرد أو نتيجة تعطل الأجهزة الطبية أو التقصير في صيانتها أو في انتظار قدوم الطبيب المختص أو بسبب التقاعس في توفير أدوية أساسية ..و كم من الجرائم ترتكب في مؤسساتنا الصحية و قد تحدث عنها كثيرا تقرير المجلس الأعلى للحسابات في 2013 بنوع من التلطيف تحت عبارة "اختلالات" و مازالت معاولها تعمل عن بعد في تقليص مساحة الحياة في غياب المراقبة و التتبع و عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة و تعطيل آليات عدم الإفلات من العقاب.. مما جعل القطاع الصحي في بلادنا عبارة عن سوق كبيرة في الاتجار في صحة المواطنين و حياتهم.. الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود. عدم إحالة المريض على الجهة الأكثر تخصصا في الوقت المناسب : رغم ظهور ما يكفي من الأدلة على وجود الطفل في حالة خطيرة يوم 17 مارس 2016 سواء عن طريق كشوفات التحاليل و من خلال الأعراض البادية على جسده، فان مصالح المستشفى لم تسارع بإحالة الطفل على الطبيب المختص في جناح مرض الأطفال بل صدرته مع والديه إلى مختبرات خارجية باعتبارها مصدر التحقق من نتائج التحاليل العمومية مع أنها لن تكرر إلا منطوق التحاليل الأولى ناهيك عن تكاليفها المضاعفة بالقياس إلى تسعيرات المستشفى العمومي. فلماذا لم تبادر بإحالة مريض بهذه الخطورة إلى الطبيب المختص فور التحقق من نتائج التحاليل في المرة الثانية أم أن الطبيب في حالة غياب لا يعرف مرضاه طبيعتها ؟ و لماذا لم يتم إلزامه سرير المستشفى تحت عناية طبيب مختص و ترسل عينة من دمه إلى مختبر يحظى بثقة الطبيب طالما أن المقصود هو التحقق من نتائج التحليل العمومي ؟ فنحن لا نفهم هذا التمييز بين مرضى يحتفظ بهم في أسرة المستشفى حين لا توجد لهم أدوية أو تحاليل في الإقليم وذلك في انتظار وصول دواء مطلوب أو نقلهم في سيارة الإسعاف إلى حيث يتيسر العلاج و بين مرضى في حاجة إلى أدوية و تحاليل متيسرة بالإقليم و لا يسمح لهم بدخول المستشفى أو بإجراء عملية إلا بعد الإتيان بأدوية أو مستلزمات طبية أو تحاليل معينة من صيدلية محددة أو مختبر معين. و في غياب أية تقارير طبية تفسر إعادة التحاليل، لا يبقى من سبيل لفهم هذا الأمر إلا في إطار تقارير تقنية عن تعطل أجهزة طبية أو بيوطبية في المستشفيات العمومية بسبب فعل بشري متعمد و ليس نتيجة الاستعمال العادي. مما قد يفيد أن أجهزة جديدة كانت تعطل عمدا إما للدفع بتعطلها لتوفير عناء العمل عنهم وإما قصد صد المرضى و إرسالهم لأجهزة خارجية في إطار صفقات سرية تحدد فيها الفوائد بين الطرفين بعدد الضحايا من المرضى أو بنسب مائوية من مبالغ الفحص و إما لكلا الغايتين. و هذا لا يختلف كثيرا عن الحيلة التي يلجأ لها بعض الأطباء الجراحين من منعدمي الضمير حين يلجأون إلى تضخيم وصفة الدواء و المطالبة بمستلزمات طبية أكثر من اللازم لإجراء العملية ثم توجيه عائلة المريض إلى صيدلية معينة بدعوى أن سلعتها جيدة و ذلك على أساس أن يقوموا عند انتهاء العملية بإرجاع المستلزمات الفائضة عن الحاجة إلى الصيدلية و مصادرة ثمنها، و حتى عندما يدفع المريض ملفه الطبي إلى مصالح التعاضدية لا يتلقى إلا تعويضا هزيلا يمثل فقط نسبة من قيمة المستلزمات الضرورية للعملية، فيتعرض في هذه الحالة لإستغلال مزدوج لأن المؤسسات التعاضدية التي لها معاييرها و أطباؤها الاستشاريون لا تحيط علما وزارة الصحة و لا منخرطيها بالانحرافات (anomalies) المسجلة في الملفات الطبية.. فماذا فعلت وزارة الصحة لإنهاء هذه الجرائم المستورة التي تتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب و نبلها و تستهتر بصحة المواطنين و تستثمر جهلهم بالأمور الطبية و تستغل حالتهم النفسية التي تخشى الموت و تستعجل الشفاء ؟؟ و رغم أهمية التحاليل في تشخيص المرض و المساعدة في العلاج، فإن طريقة استثمارها المهني في المستشفى أخذت مسلكا بطيئا في التصدي لحالة مستعجلة و كانت بالنتيجة بعيدة عن تلك الأغراض بحيث صار الهدف من إجراء التحليلة هو إعادتها أولا و ثانيا و ثالثا من دون أن تتخلل سلسلة الإعادات أية أفعال علاجية أو تقارير طبية تفسر تكرارها.إذ كان يتم الإكتفاء كل مرة بقراءة النتائج قراءة صامتة ثم مطالبة الأسرة بإعادتها من دون تعليل مقبول و حتى من دون إخبارها بنتائج التحاليل الأولية و بدرجة الخطورة القائمة أو المحتملة التي تهدد حياة الطفل. مما يطرح بقوة إشكالية التواصل الطبي مع مرافقي المريض و ضرورة مأسسته و توثيقه بما يضمن حقوق عائلة المريض في معرفة حالته الصحية و ما تنطوي عليه من تطورات أو تهديدات محتملة و خصوصا ما يتعلق بحقهم في الحصول على التوضيحات اللازمة بشان كل فعل طبي أدوا ثمنه بالمستشفى و في تعليل القرارات الطبية في مستندات كتابية خاصة بالمريض ، و ذلك بالنظر إلى أهمية كل ذلك حتى في ترتيب الآثار القانونية و مواكبة الاجتهاد القضائي في المنازعات الطبية الذي جعل مسؤولية الطبيب تقوم حتى على خطأ مفترض يتمثل في عدم تحقيق النتيجة المرجوة و أطلق دور القاضي الإداري في استقصاء الخطأ الموضوعي الذي أصبح يمثل أساس تحميل المرفق العمومي الصحي المسؤولية عن الضرر الحاصل للمريض. و في غياب تواصل صحي متوازن يضمن حقوق المرضى و يراعي نفسية ذويهم، تسوء التقديرات و يعم الاستياء إلى حد كراهية الذات و الانتماء و تنعدم الثقة في خدمات الصحة العمومية و يحكم عليها نهائيا بالعجز و التدني و انعدام الكفاءة إن لم نقل بالفساد و اللصوصية. و في ظل هذه الظروف يضطر المواطن إلى اللجوء إلى القطاع الخاص مثلما فعل والد الطفل م.محمد سالم الذي فضل الخروج من دوامة التحاليل المكررة إلى عيادة خاصة بطب الأطفال، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، إذ سلبت أمواله بطريقة حضارية و وضعت في يده وصفة منمقة تعالج النتيجة و تترك الأسباب، إذ اكتفت بوصف علاج لأعراض المرض كالالتهابات اللثوية من دون حتى تنبيه الزبون إلى خطورة حالة الطفل رغم الاطلاع على تحاليل الطب العمومي. مما يطرح مشكلة مراقبة القطاع الخاص و حماية المواطن من ضعف الكفاءة و التقصير و التلاعب الحاصل فيه و ذلك عبر التأطير القانوني و الفعلي لعلاقة المريض مع العيادات الخاصة. و لو لا لطف الأقدار و تدخل جمعية أصدقاء المريض التي نقلت الطفل من سرير الأسرة إلى سرير المستشفى رغم الاصطدام بغياب غير مبرر للطبيب المختص، لتطورت الأمر إلى الأسوأ. غياب الطبيب المختص خارج الإقليم رغم خضوعه لنظام الديمومة : لما وقفت الجمعية يوم السبت 20 مارس 2016 على خطورة حالة الطفل بعد استشارات هاتفية مع أطباء من أصدقاء الجمعية بشأن نتائج التحاليل العمومية التي أجريت له يوم 17 مارس 2016 ، قامت فورا بإعادته إلى المستشفى الجهوي مولاي الحسن بن المهدي، ليفاجأ بغياب الطبيب المختص بطب الأطفال و يطلب باستدعائه بالنظر إلى حالة الطفل الحرجة. و بعد ساعات من الانتظار، تبين في نهاية الأمر أنه غائب في عطلة نهاية الأسبوع رغم أنه خاضع لنظام الديمومة. و الأدهى من ذلك، فقد اكتشف كيف كان بعض المهنيين العاملين تحت إمرته يحاولون التغطية على غيابه غير المبرر عبر جملة من الممارسات و الأساليب المضللة، نذكر منها : أ) المطالبة بضرورة إعادة التحاليل أكثر من مرة: بمجرد دخول الطفل قسم المستعجلات رفقة أعضاء من جمعية أصدقاء المريض باشر أحد الأطباء المتدربين الاتصال من هاتفه النقال بالطبيب الغائب فيما ظلت طبيبة أخرى مسمرة في مكتبها تسأل والد الطفل عن سن الطفل و درجة حرارته من دون أن تكلف نفسها عناء الذهاب إلى رؤية المريض و فحصه مباشرة في الغرفة المجاورة . و لما قرر الطبيب المتدرب تجديد التحاليل رفض والده إعادة سيناريو يوم 17 مارس 2016 لأن الطفل يعاني من فقر الدم و جسده منخور بآثار الحقن و لم يعد يحتمل أخذ مزيد من العينات الدموية خصوصا في وجود نتائج تحاليل أجريت فقط قبل يومين في ذات المستشفى و عبر عن استعداده لتحمل مسؤولية الاعتداد طبيا بنتائج تلك التحاليل إذا كان المستشفى الجهوي لا يثق في أجهزته و مدى صلاحية نتائجها و طالب في المقابل بإحضار الطبيب المختص. غير أن الطبيب المتدرب قرر بعد مهاتفة زميله الغائب تحليل عينة من بول الطفل من دون أن يوضح لوالده أهمية ذلك و علاقته بفقر الدم ثم سمح بتخصيص سرير له بالمستشفى في انتظار قدوم الطبيب المختص. و لكن مع مرور الوقت و عدم حضور الطبيب فهم أن المغزى من تكرار التحاليل لم يكن من أجل مصلحة الطفل المريض و إنما لخدمة المآرب الشخصية للطبيب الغائب، أي أن المطالبة بتجديد التحاليل كل مرة هو مجرد تكتيك لتحويل الانتباه بعيدا عن غياب الطبيب و وسيلة لإلهاء مرافقي المريض و شغل بالهم ريثما يسجل زميلهم حضوره. و لما طال الانتظار إلى ساعات متأخرة من الليل، و خشية انفضاح أمر هذا الغياب غير المبرر خارج الإقليم حاولت الممرضة تحويل الاهتمام من واجب حضور الطبيب الذي يصف الأدوية إلى ضرورة إحضار دواء أساسي غير متوفر محليا، و ذلك لما طمآنتنا أن الطبيب عند قدومه سيطلب له دواء من الرباط و ستتحسن حالة الطفل. و بالفعل بدأت العائلة تتساءل عن الفائدة من الطبيب و المستشفى إذا لم يكن الدواء متوفرا على المستوى المحلي أو الجهوي على الأقل. و بعد ليلة بيضاء، طالبنا في صباح اليوم الموالي مصالح المستشفى بتحديد ماهية الدواء حتى نسارع بالعمل على إحضاره قبل مجيء الطبيب المختص أو السماح لنا بنقل الطفل إلى جهة صحية أخرى تكون مؤهلة لعلاجه. و بالفعل اتصل طبيب عام تابع للمستشفى بالطبيب المختص الغائب الذي حدد له الدواء عبر الهاتف و سلم الوصفة لوالد الطفل فبعثها بدوره عبر الفاكس إلى احد أقاربه بالرباط و أرسل الدواء عبر الطائرة و قضي الأمر. و تلك احدى مفارقات عالم الصحة العمومية بالعيون و غرائبها التي لا تنتهي : فمصلحة المستعجلات تتحول إلى مصلحة لاستبطاء العلاج، و الطبيب العام يقوم بدور الطبيب المختص و الممرض أو الطبيب المتدرب يقوم بدور الطبيب الرسمي المجرب و تحاليل المختبرات الخاصة أصدق أنباء من المختبرات العمومية التي عليها مراقبتها و الوصفة الطبية و أدويتها تحضران قبل الطبيب الذي أضحى آخر من يرى مريضه و هو في حالة مستعجلة.. و الهاتف النقال يتحول إلى سماعة لطبيب يفحص مريضه عن بعد ((un télé-médecin.. ب) الفحص عبر الهاتف النقال: لقد عاينا و نحن في المستشفى كيف كانت الممرضة و الأطباء يقرأون عبر الهاتف الخلوي مضامين كشوفات التحاليل على مسامع الطبيب الغائب، وذلك في محاولة لإنقاذ الموقف و التغطية على غيابه غير المبرر. و هذا مظهر أخر من المظاهر السلبية لاستخدام تكنولوجيا الاتصالات في الإخلال بالواجبات المهنية و تعميق أزمة الغياب في المرافق العمومية. إذ كيف سيقوم الطبيب بواجبه المهني في بذل عناية صادقة و جهود يقظة تتفق مع تقاليد مهنة الطب و الأصول العلمية الثابتة في علم الطب إن لم يكن موجودا في الميدان مباشرة؟ و كيف سيقوم المرفق الصحي بواجباته في توفير الظروف الملائمة لاستقبال المرضى و علاجهم و توفير الخدمات الطبية بمختلف أنواعها في ظل غياب أهم عنصر في العملية الإستشفائية ألا هو الطبيب؟ ثم ألا يعد تطور المرض أو موت المريض لا قدر الله في ظل العمل بهذه الطريقة من إرادة الطبيب الغائب غيابا غير مبرر خصوصا إذا علمنا أن تمرير القرارات الطبية عبر الهاتف و إصدار الأوامر بتنفيذها على الهواء يفتح الباب واسعا لتبادل الاتهامات و التملص من المسؤوليات بل تذويبها في حالة أي تقصير طبي أو إهمال في اختيار الدواء أو في طريقة استعماله ؟ و ألا يرجع الانتصار لهذه الوسيلة بكثرة في المستشفيات العمومية إلى لعبة التوافقات بين الأطباء (arrangements) التي عادة ما يكون من وضعوها أول من يخرقها ؟ ت) حيلة التوافقات غير المتوازنة : لقد تم معاينة أيضا كيف يتم التحايل حتى على التوافقات بين الأطباء في توزيع فترات العمل التي سبق أن رفضها السيد وزير الصحة حين منع أطباء القطاع العام من العمل بالقطاع الخاص. فإذا كان الأصل في هذه التوافقات أن تكون بين أطباء من مستوى واحد أي طبيب عام مقابل طبيب عام واختصاصي مقابل اختصاصي في ذات الاختصاص لأن مسؤوليات الطبيب الاختصاصي و التزاماته أكثر من تلك المفروضة على الطبيب العام، وتم الوقوف ميدانيا على انحرافات عن هذا العرف الطبي صارت تكتسب على ما يبدو قوة عرف آخر. فقد سجل قيام توافقات غير متوازنة بين طبيب مختص و طبيب عام أو بين طبيب و ممرض أو بين طبيب عام و طبيب تحت التدريب..مما يقود إلى استنتاج أن بعض الأطباء يتحايلون حتى على تلك التفاهمات التي جعلوها عرفا بينهم في التنظيم المهني بما يؤدي إلى انتهاك المنتهك و تعميق النقص الحاصل أصلا في الكفاءة و الاختصاص الطبي النوعي التي من دونها لا معنى و لا قيمة للمستشفيات العمومية . الحدود