بينما تتقدم الحكومة الانتقالية التونسية خطوة خطوة على طريق الديموقراطية، مع تصويت النواب على نص يجيز للرئيس تجاوز المجلس لاصدار مراسيم اشتراعية وتعليق نشاطات حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، سمعت اصوات عيارات نارية في تونس العاصمة بعد ساعات من استدعاء وزارة الدفاع التونسية جنود الاحتياط لضبط الفلتان الامني الذي يشهده هذا البلد منذ اطاحة رئيسه السابق. وافاد ثلاثة شهود انهم سمعوا اطلاق نار آتياً من شوارع قرب شارع الحبيب بورقيبة، وهو الشارع التجاري الرئيسي في العاصمة، لكنهم لا يعرفون من أطلق النار. وقال احدهم وكان قريبا من مبنى حكومي في العاصمة: "سمعت اطلاق نار متقطعاً". وبدأ الامن يعود كما يبدو ببطء بعد ثلاثة اسابيع من موجة من الاحتجاجات الشعبية أجبرت بن علي على الفرار الى السعودية بعدما أمسك بالسلطة 23 سنة. لكن العنف تجدد في الايام الاخيرة وقتل خمسة اشخاص على الاقل منذ الجمعة الماضي في اشتباكات بين الشرطة ومحتجين في بعض مدن الولايات. وأفادت مصادر رسمية ان مجموع القتلى منذ بداية الاضطرابات منتصف كانون الاول بلغ 234 قتيلاً. واطلاق نار الذي سمع امس كان الاول في العاصمة منذ أسبوعين على الاقل. وظهرت علامات جديدة على اضطرابات في مدن بالولاياتالتونسية، وإن تكن على نطاق أضيق منها في الايام السابقة، مع مطالبة معظم المحتجين بتنحي مسؤولين محليين لأنهم كانت لهم صلات بحكومة الرئيس المخلوع. وافادت وسائل اعلام رسمية انه في بلدة قفصة قرب الحدود مع الجزائر اشعل محتجون النار في مدرسة ثانوية يبلغ عدد تلامذتها 1500. وابلغ مصدران نقابيان في بلدة القصرينجنوب غرب العاصمة ان مئات الاشخاص يقطعون الطريق السريع الذي يؤدي الى البلدة احتجاجا على ما يقولون انه تجاهل للحكومة المركزية لمنطقتهم. وقالا ان والي القصرين الذي عين قبل ايام استقال الاثنين بعدما تعرض لضغوط من المحتجين الذين حاصروا مكتبه. وأوردت وكالة "انباء تونس افريقيا" الرسمية ان محتجين اجبروا ايضا والي قفصة المعين حديثا على مغادرة مقر عمله. استدعاء الاحتياط وكانت وزارة الدفاع استدعت مساء الاثنين العسكريين الذين تقاعدوا بين 2006 و2010 ومجندي نهاية 2008 وسنة 2009 كاملة وطلبت منهم التقدم الى "اقرب مراكز جهوية للتجنيد والتعبئة الى منازلهم اعتبارا من 16 شباط". ويضم الجيش التونسي نحو 35 الف رجل، وهو عديد اقل من قوى الامن والشرطة في عهد بن علي، التي يقدر عديدها بمئة الف رجل على الاقل. وذهب عدد من الوزراء في الايام الاخيرة الى حد التحدث عن "مؤامرة" على الثورة يحوكها انصار او رجال التجمع الدستوري الديموقراطي حزب الرئيس التونسي المخلوع. وأقرت اكثرية واسعة من النواب التونسيين الاثنين مشروع قانون يجيز لرئيس الدولة بالوكالة الحكم بموجب مراسيم اشتراعية وتجاوز مجلسهم الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم السابق، بعدما حذر الغنوشي من "مخاطر" تهدد الفترة الانتقالية الناشئة. وفي الجلسة الاولى منذ سقوط نظام بن علي، صوت 177 نائبا من اصل 195 حضروا على تبني المشروع و16 ضده، فيما امتنع نائبان من الحزب الحاكم سابقا عن التصويت. وسيدرس مجلس الشيوخ النص الاربعاء للسماح للرئيس بالوكالة بتنظيم المشهد السياسي الجديد تمهيدا للانتخابات الرئاسية والنيابية. وهذه الانتخابات مقررة في غضون ستة اشهر لكن الحكومة لم تحدد اي موعد بعد، فيما تزداد الاصوات التي تؤكد ان هذه المهلة غير واقعية. وكانت الحكومة اعلنت الاحد تعليق التجمع الدستوري الديموقراطي الذي باتت نشاطاته محظورة تمهيدا لحله بالطرق القانونية. والوقت يدهم ايضا من الناحية الاقتصادية. الاقتصاد وقدر وزير التنمية الجهوية والمحلية في تونس احمد نجيب الشابي في مقابلة نشرتها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية قيمة الخسائر التي تكبدها الاقتصاد التونسي خلال "ثورة الياسمين" بخمسة مليارات دينار (3,52 مليارات دولار) اي ما يوازي اربعة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. هيغ والتقى امس وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ الذي زار تونس ساعات، مسؤولين تونسيين ليؤكد لهم دعم لندن التي ستقدم مساعدة مالية. وتحاشى هيغ، الذي تُعتبر زيارته لتونس الأولى من نوعها لوزير خارجية بريطاني منذ سنوات عدة، وصف ما جرى في تونس بأنه "ثورة"، لكنه قال "إن هناك فرصة يتعين على الشعب التونسي اقتناصها". ويتوقع ان يلتقي وفد من وكالات السفر الفرنسية وزير السياحة مهدي حواص للتحضير لتحريك هذا القطاع الحيوي للبلاد. ودعا نواب اوروبيون عادوا من تونس الى عقد مؤتمر للجهات المانحة لتونس لتنسيق المساعدة الدولية اللازمة لعملية الانتقال الديموقراطي.