•رويترز:لحسن حظ عاطل مغربي من حملة الشهادات الجامعية العليا أنه لما اقدم الصيف الماضي على إحراق نفسه أمام البرلمان حظي بفرصة أخرى في الحياة وبوظيفة، ولم يلق نفس مصير محمد البوعزيزي في تونس الذي توفي وإن أفلت بلاده من القبضة الحديدية لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويقول ع. ب الذي أضرم في نفسه النار الصيف الماضي أمام البرلمان المغربي احتجاجا على بطالته لرويترز 'البوعزيزي جر معه بلاده إلى ثورة وأنا كنت السبب في تشغيل نحو 1130 من حملة الشهادات العليا المعطلين في المغرب.' وأضاف ع. ب الذي رفض نشر اسمه لسبب أن عائلته لا تعرف ما حصل له وأخبرها أن الحروق التي أصابته من الدرجة الثالثة والثانية والأولى بسبب حادث فقط ' شعرت بالتهميش والظلم وأقدمت على هذه الخطوة ولم أكن أظن انني سأعيش بعدها.' وقال'البوعزيزي أثار ضجة في بلاده وأنقذها من مخالب دكتاتور اما أنا فحتى الصحافة لم تلتفت إليّ وتكتب عني بإستثناء جرائد قليلة.' لكن البوعزيزي في تونس توفي لما أقدم على حرق نفسه ليجر بلاده إلى مظاهرات دامت نحو اربعة أسابيع وأطاحت بالنظام الحديدي للرئيس بن علي الذي فر خارج البلاد. ويرى محللون وحقوقيون أن المغرب بمنأى عن هذه الوضعية لأن المغرب يعرف حركات احتجاجية مستمرة. وتقول خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان 'لكل بلد خصوصياته. البلدان المغاربية تتشابه في تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقمع الحريات لكن يبقى لكل بلد مميزاته.' وأضافت 'في الجزائر لم تتخذ الاحتجاجات نفس منحى تونس وفي المغرب نحن نعيش من زمان على وقع احتجاجات كما أنه سبق وأن صب معطلون البنزين على أنفسهم دون أن تتخذ الاحتجاجات حجم تونس.' وقالت 'في تونس القمع كان لديهم أشد والنظام كان مفرطا في الدكتاتورية.' وتعرف شوارع الرباط منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي احتجاجات منتظمة للشبان من خريجي الجامعات والعاطلين عن العمل. وتقدر إحصائيات رسمية عددهم بنحو 180 ألف عاطل كما ينضم إلى صفوفهم سنويا عشرات الخريجين. ويقول مصطفى الربان (28 عاما) كاتب لمجموعة 'الصمود' للأطر العليا المعطلة وهي واحدة من عشر مجموعات للجامعيين المعطلين يتواجدون حاليا بشوارع الرباط 'الحركة الاحتجاجية في المغرب وبخاصة حركة الجامعيين المعطلين ممتدة منذ اواسط التسعينيات ولها مطلب واحد هو التشغيل ونرفض تسييس الملف.' وأضاف الربان 'أما الحركة الاحتجاجية في تونس فهي وليدة لحظة نحن الدولة تسمح لنا بالتظاهر بشكل يكاد يكون يومياً. في تونس التظاهر في الشارع في عهد بن علي كان ممنوعا.' وقال 'بالرغم من أننا نتعرض للعنف والقمع في كثير من الأحيان لكننا نتظاهر والدولة تشغل منا في الأخير.' ويتفق معه عادل وكيل (37 عاما) وهو مكلف بالإعلام في مجموعة النضال للأطر العليا المعطلة 'تونس كانت تعرف سكونا في الحركة الاحتجاجية نحن بحكم هامش الانفتاح النسبي استمرت الحركات الاحتجاجية في المغرب منذ أواسط التسعينيات إلى الآن من دون مشاكل.' وأضاف'نحتج سنويا على درجة أصبحت احتجاجاتنا مستهلكة وروتينية ولم تعد الصحافة تهتم بنا كما في البداية.' ويرى مصطفى الخلفي وهو محلل سياسي ومدير نشر يومية 'التجديد' المقربة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل 'مشكل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل في المغرب قائم حيث يوجد أكثر من 200 ألف منهم لكن الدولة لجأت إلى خيار التعامل الإيجابي مع الاحتجاجات.' والتزمت الحكومة المغربية بتخصيص 10 في المئة من ميزانيتها لتشغيل حاملي الشهادات المعطلين. وشغلت العام الماضي أزيد من 1200 جامعي عاطل عن العمل. كما وقعت الحكومة في هذا الأسبوع على مذكرة تفاهم مع الأطر العليا المعطلة لحل مشكل الجامعيين المعطلين نهائيا فيما يفسر محللون هذه الخطوة بتوجس الحكومة من الاحتجاجات على ضوء تطورات الوضع في تونس الجارة. وامتنع وزير التشغيل عن التعليق. وقال الخلفي 'المسؤولون المغاربة مطالبون بالانتباه لهذا الحدث التونسي لأنه وقع في بلد تنميته أفضل من المغرب وله استقرار متجذر.' وأضاف'الحدث التونسي يعطي درسا كبيرا بأن هناك علاقة وطيدة بين الاحتجاج والحرية السياسية.' لكنه قال 'المغرب يعمل على سياسة الاحتواء الإيجابي وهذا ظهر في احداث سيدي إفني والعيون بتشكيل لجنة تقصي الحقائق.' وأضاف 'في المغرب يقع الاحتجاج ثم القمع لكن سرعان ما تستجيب السلطة للمطالب إذ العنصر الأساسي هو وجود قدر من الانفتاح السياسي.' ويقول حقوقيون ان المغرب شهد انتهاكات جسيمة في حقوق الانسان في الفترة من 1956 (تاريخ استقلال المغرب) الى 1999 ( تاريخ وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني.) وأحدث المغرب هيئة مكلفة بطي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان أنهت مهامها أواخر عام 2005. وقال الخلفي 'المغرب أخذ درسا من الماضي ووسع في هامش الحريات لكن هناك أقلية في المغرب انبهرت بالنموذج التونسي وضغطت ليقع تراجع في المكتسبات والحقوق في السنوات الأخيرة.' وأضاف 'هذه الانتهاكات الأخيرة ظهرت في محاكمة الصحافيين وتهميش المؤسسات الحديثة وظهور أفكار استئصالية تضرب التعددية السياسية عرض الحائط.' وانتقد حقوقيون محليون ودوليون 'تراجع الحقوق والمكتسبات' في المغرب وربطوها بمحاكمة الصحف وسجن صحافيين وكذلك تطبيق قانون مكافحة الإرهاب.