وجدة "الألفية " عاصمة السينما المغاربية ظلت الوحدة المغاربية هاجسا يشغل بال سياسيي ومفكري ومبدعي الوطن المغاربي الواحد من أقصاه إلى أقصاه، وهي السينما بدورها تنفض غبار التهميش عن هذا الموضوع الشائك والمتشعب، من خلال الحلم بوحدة سينمائية مغاربية تكون مدينة وجدة قطب رحاها وبوادر انطلاقتها، فحتى الآن لا يتوفر المغرب الكبير على ملامح مشهد سينمائي موحد في غياب حركية ودينامية تبادلية للفيلم السينمائي، تتيح فرصة فتح الأبواب الموصدة في وجه الفيلم المغربي أن يلج القاعات السينمائية الجزائرية، وأن يندرج الفيلم التونسي ضمن برمجة القاعات السينمائية المغربية، وإلى غير ذلك من الأمثلة والخيارات، وذلك كله لاختراق السينما جل البلدان المغاربية الأخرى وتتجاوز بالتالي الجماهير الوطنية، إلى الجماهير المغاربية التواقة لاكتشاف سينما تشبههم وتحاكي همومهم، وحتى لا تبقى السينما المغاربية مقتصرة على المهرجانات السينمائية فقط. فكرة تنظيم مهرجان مغاربي قديمة، تقارب ثلاثة عقود من الزمن، أملتها ظرفية انعقاد أولى المعاهدات التي شهدتها دواليب الاتحاد المغرب العربي في سنة 1989 بمدينة مراكش، وفرضتها حضور الفيلم المغاربي في أهم المهرجانات الأوروبية والإفريقية والعربية، هذا بالإضافة لمشاهدة أفلام وأشرطة روائية ووثائقية على مستوى أنشطة الأندية السينمائية، وكذا عرضها على شاشات التلفزيونات العمومية لهذه الدول، كل ذلك خلق جوا من النقاش على مستويات عدة، خصوصا في المهرجانات الإفريقية والعربية التي تنعقد على أرض المغرب وخارجه. نماذج كثيرة لمهرجانات مغاربية عدة، برزت للوجود في أكثر من بلد مغاربي، لكن مع الأسف لم يكتب لها النجاح، بحكم غياب إستراتيجية واضحة المعالم والمرامي، وبعيدة المدى في العمق والمحتوى، وانعدام خطط ثقافية سينمائية تشيد بجمع شمل رواد السينما المغاربيين، وكذا جيل القنطرة والجيل الحالي، خصوصا في الجزائر والمغرب وتونس، وهي المبادرات التي جاءت من ولاية قسنطينة وولاية عنابة سنة 1991 ثم الجزائر العاصمة في سنة 1991 و2013 كذلك، ووجدة في سنوات 2003 و2005 و2012 و2013 ثم القنيطرة المغربية في وقت لاحق، وفي قرطاج التونسية في سنة 1988، ثم أريانة التونسية في سنة 1993. تجارب ومحاولات مشجعة في أوقات وأزمنة متباعدة لم تعمر طويلا، هذا دون تناسي بعض المدن المغربية والجزائرية والتونسية الأخرى، التي فكر مسؤولوها ومبدعوها مليا في تنظيم مهرجانات سينمائية تعنى بالسينما المغاربية، لكن مرة أخرى لم يكتب لهذه التجارب النجاح والاستمرارية مع الأسف، مع أنها نظمت لهذه السينما الفتية مقارنة مع السينما المصرية والسورية دورة أو دورتين فقط، ثم انقطع التواصل وسادت البرودة وصال المنظمين الذين كان همهم الوحيد هو الكراسي والبروز، وأصبحت مع المدة السينما المغاربية غريبة الديار وتفرقت بشأنها الأصول ولقاءات الأحباب إلى حين... بعد هذه المدة، وبعد هذا الجمود، أصبح للسينما المغاربية مهرجان دولي ترجم على أرض الواقع جل الأفكار والطموحات، والمتمثل الآن في المهرجان المغاربي للفيلم الروائي بوجدة، ليبدأ المشوار من جديد، وتحدد المعالم والاستراتيجيات، ويخطو نحو الطريق المغاربي بثبات، ويباشر المشرفون عليه عنصري التحدي ونكران الذات بالرغم من القيود والمتأبطات. مهرجان سينمائي، كل مرة يخلق الحدث بتفكيره العميق وفي أبعاده ومراميه المستقبلية، وبإشراك كل من له القدرة على جمع شمل الوحدة المغاربية، في التنظيم والحضور والنقاش والحوار، وهذا ما أكدته البداية الموفقة لمهرجان وجدة الذي نضج ووصل سنته الثالثة، ورسم بالتالي خطوطه العريضة، ورسم بشكل جيد رؤيته الاستشرافية نحو الأفق، نحو سينما مغاربية ناضجة تحتاج منا العناية والالتفاتة والوقوف أمامها وأمام روادها وقفة احترام وإجلال، والبحث لها عن أفق أكثر رحابة من خلال البحوث والدراسات الجامعية، وذلك انطلاقا من مختلف المعاهد والكليات العليا المتخصصة في كل البلدان المغاربية بدون استثناء، وكذا ترجمة محتويات الندوات الدولية المبرمجة خلال الدورة الحالية والدورات السابقة، وهو نفس الاتجاه الذي أكده المهتمون والنقاد والإعلاميون والسينمائيون أنفسهم، بالرغم من عنصري التآخي والتحدي في أخذ المبادرات السينمائية التاريخية التي ستحسب علينا وليس لنا كمغاربيين. ميلود بوعمامة