ان الصورة المرئية أي كان مصدرها وأدواتها تشكل حضورا متزايد التأثير يوما بعد يوم ..لذا كان طبيعيا أن يتزايد اهتمامنا كفلسطينيين بالكاميرا خاصة ونحن ما زلنا نواجه عدوا باغيا بأجساد عارية إلا من الحقيقة والحق وقد كانت الكاميرا فعلا واحدة من أدواتنا لكشف حقيقة الأجرام الإسرائيلي الذي مارسه علينا طوال سنوات احتلاله لأرضنا وقد شكل العاملين في هذا المجال علي اختلاف مصنفاتهم المهنية والفنية كتيبة مناضلة خلال الحرب التي جرت علي غزة في 2009 أو في العام الماضي 2012 لذا كان طبيعيا أن يتواصل فعل الكاميرا الذي كان له الأثر الايجابي لدخول المرأة في هذا المجال المهم لإيصال الحقيقة وإرسال مطالبها خلقت المعاناة في غزة مادة دسمة ومجالاً واسعاً لصناع الأفلام الوثائقية والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب, خصوصاً أن فلسطين موقع حدث هام متغير ودائم, ولم تكن المرأة بعيدة عن هذا المجال, سواء أرغمت على دخوله رغماً عنها لنقل معاناتها وطموحاتها, أو نتيجة إبداعات ومواهب خلقها الواقع, وهو ما أدي إلي حلق حالة إبداعية بجانب الرجل وأسهمت هذه الحالة في تفسير الجانب الأخر من الحياة( المرأة) أسرارها, طموحاتها, عاداتها, تقاليدها، همومها ومشاكلها.... إنه شيء لافت للنظر بقوة، بان تقوم المرأة بإنتاج أعمال وبصناعة أفلام ذات مضامين وأفكار متميزة تعبر عن كل ما يجول بخاطرها هذه الإعمال جاءت لتوكد المقولة الخالدة بأنه من قلب المعاناة يولد الإبداع، ومن رحم المستحيل يولد الممكن!!! فكلنا نعرف كم هي الأوضاع قاسية في قطاع غزة، بعد أكثر من 7 سنوات على الانقسام والحصار، وما أدراكم ما هو الانقسام والحصار، إنها كارثة كبرى تهددان الروح الجمعية بالاختناق، ويقيمان أمام الأمل جدرانا من اليأس والإحباط، وتجعلان الأفق مغلقاً بلا بصيص، ورغم ذلك، وربما بسبب قسوة التحدي، وإعلان التشبث بالحياة، يأتي هذا الحجم من الإبداع، إبداع المرأة العربية في أي مكان والفلسطينية ايضا حيث عكست عبر أفلامها وإبداعها رغم قلة إمكانياتها المادية في بعض الأفلام ، رؤى تستثير الاهتمام، يجعلنا نعرف كيف يرى هؤلاء النسوة أنفسهم وسط هذا الأتون الخانق، كيف ينظرون إلى المستقبل، وما هي اللحظات الكثيفة التي استوقفت عيون كاميراتهم الذكية. ربما يحتاج الأمر إلى ندوات ومتخصصين لتشريح هذا الإبداع وهذه الأفلام بالنقد الإيجابي، والكشف عن حجم المواهب الواعدة، ومن ثم استنهاض المستوى الرسمي والأهلي ، حتى تتفتح أكثر، وتستمر أطول، وتتخطى اختناقات اللحظة السياسية التي نمر بها، ولا نسمح لهذه المواهب الواعدة أن تسقط تحت أقدام السجال ألتدميري الذي ينتجه الانقسام، لأن الانقسام وحش رهيب يحاول أن يلتهم حياتنا، وحتى الآن لا تنهض الإرادة بشكل كاف للخلاص منه والعودة إلى الضرورة القصوى وهي المصالحة وإعادة لحمة الوطن .. إن العولمة الحاصلة في العالم التي جعلته قرية صغيرة لتبادل الأفكار والآراء, وسهولة عرض الصورة وانتشارها الواسع عبر الإعلام الحديث (فيس بوك, يوتيوب, تويتر....) جعلت المرأة تخوض هذا المجال بقوة, ولعبت التكنولوجيا والحديثة التي دخلت كل بيت, ووصلت لكافة الأعمار والأجناس, عبر كاميرا الجوال, أو الوسائل المتاحة وأتاح جزء مهم من التوثيق لحياة ومعاناة المرأة في فلسطين فبدأت المرأة بتوثيق حياتها ونشاطاتها, عبر الصورة, أو بالكتابة, ثم تطور الأمر ليصل إلى الأفلام الوثائقية, والتي أظهرت التفاصيل الدقيقة لحياة المرأة وهمومها , ثم انتقلت المرأة عبر دراسة الإعلام والتخصص في الدراما والديكودراما إلى البدء في عمل الأفلام الوثائقية, فتوجهت المرأة للعديد من المختصين كمخرجين أو مصورين أو منتجين.... أو بعض الهواة خلال مجموعات مشتركة (قروبات) فأظهرت قدراتها بشكل مميز, واستطاعت تغطية جوانب حياتها المختلفة. إن المرأة ا حققت نجاحا كبيراً في مجال الأفلام الوثائقية والذي يعتبر باعتقادي وفي هذه الظروف التي تعم كل الوطن العربي الكبير أهم من العمل الدرامي نظراً لأنه يعطي تفصيلاً أدق لحياة المرأة العربية أو حتي الفلسطينية ومع أني لست متأكداً من رغبة المؤسسات والوكالات بشكل كبير في الاعتماد على المرأة في إنتاج وإخراج الأفلام الوثائقية خاصة في المجتمعات المغلقة... لأن هذه المؤسسات قد تستنزف طاقة العاملين في الأفلام الوثائقية لساعات متأخرة وطويلة, مما جعلها تعتمد على الرجل أكثر نتيجة الواقع الاجتماعي السائد في بعض الدول العربية مثل فلسطين مثلا... وأيضا الهدف الربحي الأول للمؤسسة مما جعلها تفكر في البحث عن الإنتاجية والتدخل في الفكرة على حساب الإبداع, مما غيب الدور الحقيقي للمرأة في المجال الوثائقي.أو حتي الروائي. في سؤال حول ذلك الموضوع أجابت مخرجة من مصر وهي المخرجة الصاعدة روجينا بسالي بأنها أحيانا أنتجت بنفسها بعض الإعمال التي تخص المرأة وأحيانا بحثت عن جهات إنتاج دون اي تدخل في رؤيتها إن كان ذلك من خلال أفلام وثائقية أو من خلال أفلام روائية قصيرة......... وفي سؤال أخر لبعض المخرجات في غزة وللمخرجات الناشئات ...تبين أن المخرجات يسعون للفيلم الوثائقي للتعبير عن حالة المرأة ..... من جهة كان العامل الأكثر صعوبة في نجاح وتقدم المرأة في تجربة الوثائقي ...هو غياب مشاريع الدعم لها, لتعرض طموحها وهمومها, نظراً لتركيز الدعم على المؤسسات, وتركيز المؤسسات على الذكور,ومن خلال تجربتي الخاصة فلقد قمت أنا وبعض زملائي بالتواصل مع عدد من المختصين وهواة الإعلام بإنشاء ملتقى السينما الفلسطيني,والذي كان فيه عنصر المرأة غالباً وظاهراً, وبدأنا العمل كفريق لإنتاج الأفلام الوثائقية, المتعلقة في حياة المرأة وهمومها , وشارك عدد من هذه الأفلام في مهرجان الهواة في المغرب, ولكن في ظل غياب الدعم المالي والإمكانيات المهنية اللوجستية التي نستطيع من خلالها تطوير أداء المرأة والرجل (الهواة) جعلت هذه الحالة بشكل عام ضعيفة وتوقفنا عن العمل بسبب هذه الظروف التي غيبت دور المرأة. إجمالاً نستطيع القول أن المرأة في الوطن العربي استطاعت أن توازي الرجل في صناعة هذه الأفلام ولكن ليس بحجم إمكانيات الرجل فما تزال الظروف الاجتماعية القهرية التي تعيشها المرأة, والإمكانيات الفينة المتواضعة هي حائلا بينها وبين إبداعها... ولكن فيما يخص المرأة الفلسطينية استطيع القول بان صناعة الأفلام الوثائقية أصبحت حقلا من الحقول التي تتمكن فيها المرأة بالعمل بكل أريحية ...نظرا لأنة يعالج المسائل بالتفاصيل، والتي هي أقرب إلى الالتقاط من قبل عين المرأة...ولا سيما في التفاصيل المتعلقة تحديدا بوقائع الاحتلال فهناك حرية اكبر في هذا السياق بخلاف القضايا والتفاصيل الاجتماعية . إن تحقيق عنصر الذات للمرأة من خلال إنتاجها للأفلام الوثائقية أو غيرها من الإنتاج البصري والسينمائي إنما هو بالتأكيد احدي أهم الركائز الأساسية لتطور المجتمع وإرساء مبدأ المساواة .... وعطاء المرأة الفلسطينية لم يكتفي إلي هنا ولكنها ما زالت عنصرا منتجا علي كل الأصعدة...وما زال لديها القدرة علي التحدي والثبات..... نعم ففي هذا الحراك الفني الموجود في غزة استطيع القول بأنة يجب الاستفادة من هذه التجربة المتميزة وجعل للمرأة دورا ايجابيا وفاعلا في شتي فروع العمل المرئي...فكما يحسب لبعض رموز العمل الفني السينمائي العربي من النساء أمثال أمينة رزق ومني واصف وحياة الفهد ومريم الغضبان وكريمة مختار فاتن حمامة وماري منيب وعزيزة أمير والتي أنتجت أول فيلم (ليلي) حيث يعتبر بمثابة تأسيس للسينما المصرية ....أتمني أن يكون هذا الحراك وهذا الإنتاج خطوة باتجاه فن بصري قادر علي النهوض وواقع جديد للمرأة العاملة في الحقل الفني متمثلا في:- 1-تمكين المرأة من الدراسة في شتي تخصصات العمل الفني المرئي مثل (الإخراج,المونتاج ,التصوير,الإنتاج,التمثيل) 2- إنشاء مركز معلومات حول سينما المرأة العربية 3- حث المؤسسات ومراكز الأبحاث ودور النشر علي وضع دراسات وأبحاث ميدانية تصور دور المرأة في السينما العربية والفلسطينية علي وجه الخصوص 4- إيجاد السبل الكفيلة والتي تتيح للمرأة العمل بحرية في مجال العمل المرئي 5- إصدار مجلة خاصة تتعلق بالمرأة الفلسطينية في السينما الفلسطينية تتضمن أهم الإعمال واهم المخرجات وحالة نقد بناءة هدفها التطوير والارتقاء. 6- خلق تعاون بين الأقطار العربية في كيفية دعم مهرجانات المرأة ودعم الفيلم النسوي الوثائقي أظن أن المرأة الفلسطينية كسرت ذاك الحاجز القائم بينها وبين العدسة واختارت أن تنقل واقعها المعيشي من خلال الشاشة حتى يتعرف عليه العالم اجمعه، المرأة أمام المرأة، المرأة المخرجة أمام المرأة الشاهدة، معادلة قد تحقق توازنا صعبا لن يقدر عليه الرجل مهما ادعى التفوق، المرأة تستطيع معالجة الصورة بفطرتها وقدرتها الذكية على استنطاق مشاعر المرأة مثلها، بدون تصنع ولا إصباغ، وبالتالي الاستفراد بالصورة المنقولة طبيعيا، وهذا بالتأكيد له تأثيره الخاص على الجمهور. لنطلع مثلا على تجربة مركز شؤون المرأة في القطاع ومبادرتها المتميزة في إنتاج العشرات من الأفلام التسجيلية لتوثيق الحرب والحصار وتأثيرهما على المرأة الفلسطينية. وقد تم إخراج كل هذه الأفلام بإياد نسويه فلسطينية بعدما تم تكوينهن بوحدة إنتاج وتدريب الفيديو التابع للمركز.هي تجربة تستحق التوقف عندها. كما أن مهرجان الأفلام بعيون النساء في غزة يعتبر نافذة مهمة لتلاحق ثقافات الصورة والاستفادة من تجربة باقي الدول التي لديها السبق في هذا المجال، والمخرجة في اشد الحاجة لمثل هذه الفعاليات كونها محاصرة غير قادرة على الانفتاح على الأخر، والمهرجان يعتبر وعاء سينمائيا لاحتوائه التجربتين معا الفلسطينية والخارجية كونه يستقبل إعمالا كثيرة ومتنوعة، من دول عربية وأجنبية..وهو يمتاز بمشاركة مهمة للأفلام التسجيلية بأياد نسويه. كما أن مؤسسة شاشات فلسطينية في رام الله تحدت المجهول وأخذت على عاتقها تحقيق حلم فلسطينيات أردن تحقيق دواتهن من خلال عدستهن عبر تفعيل الفعل السينمائي النسوي وخلق فضاء أوسع للبوح الصادق وهو تحد ليس بالسهل في دولة تعاني من حرب وتهميش واحتلال... كما لا يمكننا هنا تجاهل مهرجان "شاشات - سينما المرأة في فلسطين" الذي انطلق سنة 2005 في ثلاث مدن فلسطينية هي: رام الله، ونابلس وبيت لحم والذي تشرف عليه مؤسسة شاشات وهو مهم من حيث رسالته في تقوية عضلات سينما المرأة في فلسطين إذ لا يتخصص في الأفلام الروائية فقط بل حتى الأفلام التسجيلية وهذا مهم حقيقة في الرفع من نسبة هذا الجنس السينمائي الذي تكمن أهميته في صدق عدسته وقدرته على تفعيل الذاكرة من حيث التوثيق التاريخي للإحداث التي تضرب هذا الشطر من وطننا العربي ونقلها بالتالي إلى عالم تواق لمعرفة ما يجري داخله. هناك مخرجات فلسطينيات تناولن عدستهن من جانبها الآخر البعيد عن الروائي وهو ألتوثيقي والتسجيلي وفرض أنفسهن في هذا الجانب ومنهن على سبيل المثال لا الحصر: ديمة ابوغوش ، غادة الطيراوي ، ناهد عواد ، علياء ارصغلي ، نجوى نجار... وكلهن مخرجات محترفات خلقن لانفسهن مكانة متميزة داخل السينما الفلسطينية وبعضهن يحاول خلق حالة ابداعية خاصة رغم ظروفهن الصعبة . أما بالنسبة للمخرجات الجدد فسآخذ على سبيل المثال المخرجة ليالي رماح الكيلاني، والتي تمثل حسب رأيي طموح العدسة النسوية الفلسطينية وقدرتها على الاستمرارية، المخرجة ليالي الكيلاني سبق وان حصلت على لقب اصغر مخرجة فلسطينية، لم تبدأ مسيرتها بالأفلام الروائية التجارية بل اتجهت مباشرة إلى انجاز فيلمها التسجيلي الأول ( إن قلت آه، وإن قلت لا ) الذي يتناول وضعية الفتاة وطموحها داخل مجتمع فلسطيني محافظ، ثم فيلم (ابنة عمي) الذي تناولت فيه الظروف الصعبة الذي يعانيها الفلسطينيون للعبور إلى القدس بينما ابنة عمها تستطيع العبور بواسطة هويتها الأمريكية وكذلك عايدة الرواغ لبني هناء الزنط اعتماد وشح نجاح عوض الله نبيلة مبروك وسماح البيومي اجتهدوا ويعملوا بكل إخلاص لتوضيح معاناة المرأة بكل مفاصل الحياة اليومية وطموحها وأحلامها . ومن هنا يتضح أن المرأة الفلسطينية غير مستكينة ولا مستسلمة أمام ذاتها الداخلية ولا الخارجية، بل تفوقت في نظري تفوقا مهما على نظيرتها في الدول الاخري لما صقلته من تجربة قوية وفريدة رغم المعاناة التي تعيشها وهنا تكمن قوتها في خلق نموذج فريد من نوعه داخل المشهد السينمائي الوثائقي إجمالا اعتقد جازما بأنة ما دام لدينا هذا الحراك وهذا الإنتاج وهذا الانتماء من قبل بعض الزميلات فان فلسطين بالتأكيد ذاهبة إلي المستقبل حيث تمثل الصورة مكانة ثقافية متميزة وأصبح الفعل الفني والمرئي بشكل خاص مدخلا حقيقيا لتفعيل التواصل الحقيقي والحضاري بين الشعوب ... اعداد المخرج الفلسطيني فايق جرادة