تتميز السينما بلباسها الفضفاض الذي يتسع للجميع، أبعادها تتعدد بتعدد حوافها وكل حافة ترتكز على مهمة معينة تساعدها على بناء عوالمها التي تلتقي جميعها في مكون واحد، خدمة لأهداف فنية وابداعية جليلة، السينما تتداخل قيمها بين الفني والتقني والابداعي وغيرها من القيم التي تتوحد فيما بينها لتؤسس بنيانا متراصا صالحا للاستهلاك الايجابي. تعتبر القيمة النقدية من بين أهم هذه القيم وهي قيمة تتحدد مهامها في اصدار حكم معين من منظور معين على مشروع معين، هذا الحكم قد يكون سلبيا او ايجابيا، يأخذه المنقود بعين الاعتبار طمعا في تطوير أدائه، ويكون هذا المنقود في الغالب جزءا من توليفة مركبة من مؤسسات وأشخاص مستقلين. القيمة النقدية تستوجب ناقدا متمرسا، يضع نصب عينيه الصالح العام دون مجاملة أو محاباة، هذه الأخيرة التي قد تدمرها وتجعلها مدجنة أومفككة لا سلطة لديها، مع العلم أن طبيعتها تستوجب الاحتفاظ الكلي بسلطتها الأدبية كاملة غير منقوصة، حتى تؤدي دورها المنوط بها بالشكل المطلوب والفعال. لا شك أن قطاعنا السينمائي يعج بالنقاد، والنقاد أنواع، ولكل واحد منهم نظرته واجتهاده يحاسب عليه، وتبقى للقراء والمهتمين مهمة هذه المحاسبة، ورغم هذه الكثرة يمكن الاشارة الى أن النقاد الجادين والمسؤولين والنشيطين معدودون على رؤوس الاصابع، نذكر منهم الناقد أحمد سيجلماسي الذي سنخصص له هذه الورقة. يعتبر أحمد سيجلماسي إدريسي، من النقاد البارزين والمهتمين الواعين بجدوى الفعل السينمائي المغربي وهو من القلة التي نجدها تناضل من أجل حكامة سينمائية مستنيرة عبر آرائها الصريحة الى حد الصدمة أحيانا، صدمة ايجابية تساعد على تفعيل الابداع السينمائي واحتواء مرتكزاته الموضوعية.هل هو تمرد من نوع معين؟ كل من يعرف أحمد سيجلماسي يشهد له بموضوعيته الصادقة البعيدة عن التمرد من اجل التمرد فقط. في دردشة سابقة مع زميل لي اخبرني ان سيجلماسي خسر الكثير بفعل جرأته هذه لكنه كسب نفسه. فالناقد من طينة سيجلماسي يعطي الصدمات ولا يتلقاها، وهي مهمة لا تخلو من مصاعب جمة. أحمد سيجلماسي زميل وصديق إذا جلست معه شعرت باحساس جارف يجرك الى نوستالجيا سينمائية فريدة من نوعها، تهيم بك على أعتاب الزمن الجميل بافلامه ونواديه وصالاته...تشم عبق السينما الحقيقية التي يستعصي على الكثير منا فهمها في هذا الزمن ، زمن قاس، قسوته جعلت من السينما ورجالاتها آلة للاستنساخ والتجارب والربح السريع و...و...بعيدا عن الموهبة الصادقة والابداع الحقيقي، أحمد سيجلماسي وقف مرات عدة على مغامرة السؤال في مقارباته وكتاباته، وقفت شخصيا على بعضها، كتابات رصدت المشروع السينمائي المغربي ومعوقاته، وعلاقته بسيرورة وتطور المنتوج الفيلمي بالمغرب. أحمد سيجلماسي ذاكرة سينمائية متحركة يرشف من معلوماتها كل محتاج دون مقابل، أخبرني مخرج صديق أنه في وقت من الأوقات، عندما كان يحضر لأطروحته الجامعية حول نشأة وتطور النقد السينمائي بالمغرب ، اتصل بالعديد من المهتمين والمخرجين ببلادنا، باحثا عن معلومات ومراجع تفيده، فصدوا امامه كل الأبواب والسبل، نصحه احدهم بالتوجه الى أحمد سيجلماسي بفاس، وهذا ما كان، فوجد ضالته لديه وأخذ ما احتاجه وزيادة.. وبصدر رحب. ولد أحمد سيجلماسي سنة1950 بفاس وبعد سنتين من دراسة العلوم الاقتصادبة بكلية الحقوق بالدار البيضاء انخرط في تدريس الرياضيات باعداديات فاس من 1973 الى 1982 ، وبعد حصوله على اجازة في علم الاجتماع من كلية الآداب ظهر المهراز أصبح أستاذا للفلسفة بثانويات فاس من 1982الى تقاعده الاداري سنة 2010. مولاي أحمد ، كما ينادي عليه أصدقاؤه ومحبوه المقربين ، شخص ذو كاريزما معينة، قد تتفق أو تختلف مع آرائه لكنه يبقى قامة سينمائية لها احترامها ووزنها، قدم للسينما المغربية وروادها ، توثيقا ومواكبة ، خدمات جليلة منذ سبعينات القرن الماضي ومازال، حيث انخرط في العمل الجمعوي منذ أواخر الستينات عبر حركة الأندية السينمائية بالمغرب ، ولا ننسى انه ساهم الى جانب الناقد والمخرج عبد الاله الجوهري وآخرين في تأسيس نادي الركاب للسينما والثقافة بفاس في مطلع التسعينات من القرن الماضي بعد توقف أندية المدينة المعروفة من عيار نادي الشاشة ونادي الفن السابع ونادي ايزنشتاين وغيرها ، كما ساهم في تأسيس اتحاد نقاد السينما بالمغرب ، ثم جمعية نقاد السينما بالمغرب، وتحمل المسؤولية داخل المكتب المسير للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب من سنة 1994 الى 1996. ترأس أحمد سيجلماسي لجنة الصحافة بالمهرجان الوطني الرابع للفيلم بطنجة سنة 1995 وشارك في عضوية لجنة دعم الإنتاج السينمائي الوطني من 1998 إلى 2000. وكان له حضور ملحوظ في العديد من المهرجانات وندوات التظاهرات السينمائية المختلفة . تجربته في النشر عبر الصحف والمجلات الوطنية انطلقت سنة 1985 ولازالت مستمرة الى الآن ، حيث نشر العديد من النصوص المرتبطة بتاريخ السينما المغربية ووجوهها وببرامج التلفزة المغربية في منابر صحافية ورقية والكترونية متعددة ومختلفة ، كما انه اشتغل كمتعاون خارجي مع جريدتي "العلم" و" الأحداث المغربية." وكعضو في هيأة تحرير مجلة " سينما وتلفزيون " الورقية و مجلتي " الفوانيس السينمائية " و "اتحاد كتاب الأنترنيت المغاربة " الالكترونيتين وكان رئيسا لتحرير جريدة" السينمائي " الورقية . صدر لسيجلماسي سنة1999 كتاب بعنوان (المغرب السينمائي / معطيات وتساؤلات) ضمن سلسلة " شراع" للاعلامي الكبير خالد مشبال ، وشارك في عدة كتب جماعية نذكر منها العناوين التالية : " التاريخ والسينما " و " أسئلة النقد السينمائي المغربي" و " نور الدين كشطي : حلم وعشق ورحيل مفجع " و " سينما أحمد المعنوني : الانتساب الواقعي والبعد الجمالي " و " جيلالي فرحاتي :تجربة سينمائية متفردة " و " شفشاون ... في عيونهم " و "المكونات الجمالية والفكرية لسينما محمد عبد الرحمان التازي " و " سينما مومن السميحي : قلق التجريب وفاعلية التأسيس النظري " و " سينما داود أولاد السيد : المرتكزات والخصوصية " ... خاض تجارب أخرى إذاعية حيث أنتج ونشط لإذاعة فاس الجهوية برنامجين هما .. (ملفات سينمائية) و(المغرب السينمائي) من 1997 إلى 2004 . ينشط حاليا كمسؤول إعلامي لمجموعة من الملتقيات والمهرجانات السينمائية المغربية بمدن فاس وسيدي قاسم والرشيدية وايموزار كندر و خريبكةوشفشاون وغيرها . فؤاد زويريق