أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الإثنين أن بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غير شرعية، في أحدث تحوّل مؤيد لاسرائيل في سياسة واشنطن في الشرق الاوسط. ويضع هذا التصريح الولاياتالمتحدة في موقف متناقض مع الشريحة الأكبر من الدول كما وقرارات مجلس الأمن الدولي. وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حليف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الترحيب بالموقف الأميركي الذي يأتي في توقيت يسعى فيه المرشّح الوسطي الإسرائيلي بيني غانتس إلى تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل. وقال بومبيو "بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية، خلصت الولاياتالمتحدة إلى أن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي". وتابع بومبيو "لم ينجح اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمرا يتعارض مع القانون الدولي. لم يحقق تقدما على مسار قضية السلام". لكن بومبيو أوضح أن الولاياتالمتحدة لا تعتبر بالضرورة المستوطنات شرعية إنما تترك الحكم في الأمر للمحاكم الإسرائيلية. في المقابل، نددت السلطة الفلسطينية التي ترفض إجراء مفاوضات بوساطة من إدارة ترامب التي تعتبرها منحازة لإسرائيل، بموقف واشنطن الأخير. وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية في بيان إن واشنطن "غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها أن تعطي أي شرعية للاستيطان الإسرائيلي". والإثنين دان الاتحاد الأوروبي سياسة إسرائيل ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان إن "موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة واضح ولم يتغير: كل الأنشطة الاستيطانية غير شرعية بموجب القانون الدولي". وتابعت موغيريني أن "الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل إلى وضع حد لأنشطتها الاستيطانية بما يتماشى مع التزاماتها بصفتها سلطة احتلال"، من دون أي إشارة إلى التحول في الموقف الأميركي. من جهته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تغريدة له عبر تويتر إن "المستوطنات الإسرائيلية في فلسطينالمحتلة خرق للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وإجراء يقتل حل الدولتين ويقوض فرص تحقيق السلام الشامل". وأضاف أن "موقف المملكة في ادانة المستوطنات راسخ ثابت"، محذرا من "خطورة التغيير في الموقف الأميركي إزاء المستوطنات وتداعياته على كل جهود تحقيق السلام". لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إن الموقف الأميركي "يصحح خطأ تاريخيا" بحق 600 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية وسط نحو مليوني وتسعمئة ألف فلسطيني. وتابع نتانياهو أن "هذه السياسة تعكس حقيقة تاريخية بأن اليهود ليسوا مستعمرين أجانب في يهودا والسامرة. في الواقع نحن ندعى يهودا لأننا شعب يهودا"، مستخدما التسمية التي تطلقها إسرائيل على الضفة الغربية. ومن المؤكد أن الخطوة الأميركية ستُعتبر دعما لنتانياهو الذي يصارع للبقاء في السلطة بعدما فشل في تشكيل ائتلاف حكومي، لا سيما وأنها تأتي في توقيت لم يعد فيه أمام غانتس سوى يومين لتشكيل الحكومة. لكن بومبيو نفي وجود أي دافع للموقف الأميركي المستجد قائلا إن "توقيت هذا الأمر لا يرتبط بأي شكل بالسياسة المحلية في إسرائيل أو غير ذلك". وحتى الآن، كانت السياسة الأميركية تعتمد، نظريا على الأقل، على رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 يعتبر ان إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولي. ويعتبر ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب إقامة المستوطنات مناقضا لكل المبادئ الدولية. وعادة ما تستخدم الولاياتالمتحدة حق النقض لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن ضد إسرائيل، لكن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أثار في الأسابيع الأخيرة من ولايته غضب نتانياهو بالسماح بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 2334 الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية "انتهاكا صارخا" للقانون الدولي. وقال بومبيو إن إدارة ترامب التي تدعم قاعدتها المسيحية الإنجيلية بشراسة إسرائيل، ترفض المقاربة التي اعتمدتها إدارة أوباما، نافيا في المقابل أن تكون الخطوة بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لبناء مزيد من المستوطنات. وتابع بومبيو "ليس المقصود من الأمر توجيه رسالة (…) حول ما إذا يجب زيادة عدد المستوطنات أو تخفيضه. المقصود من ذلك هو مراجعة قانونية". لكن إسرائيل تواصل بناء الوحدات الاستيطانية. وتقول منظمة "السلام الآن" إن إسرائيل وافقت منذ بداية هذا العام وحتى شهر أكتوبر على بناء 8337 وحدة استيطانية، أي بزيادة نسبتها 50 بالمئة عن العام الماضي. وكانت إسرائيل قد فككت وحداتها الاستيطانية في قطاع غزة عندما انسحبت منه في عام 2005، وهي تفرّق بين المستوطنات والبناء في القدس الشرقية التي احتلتها في حرب العام 1967 وضمتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. وكان نتانياهو قد تعهّد في حملته الانتخابية الأخيرة بضم مناطق شاسعة من الضفة الغربية ما من شأنه أن ينسف عمليا حل الدولتين. وكان ترامب قد اتّخذ خطوات كبرى باتجاه دعم إسرائيل بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية وحجب المساعدات عن وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. ويضع الموقف الأميركي الأخير الولاياتالمتحدة في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما وأن محكمة العدل الأوروبية قضت الأسبوع الماضي بوجوب أن تذكر إسرائيل المصدر على المواد الغذائية التي يتم إنتاجها في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وأن توضح إن كانت من إنتاج مستوطنات. ويعارض المرشّحون الديموقراطيون الطامحون للفوز بالترشح عن حزبهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة بشكل متفاوت احتضان ترامب لنتانياهو وقد تعهّدوا بدعم حل قيام دولتين.