بعد قرابة ثلاثة أشهر على الانتخابات التشريعية في إسبانيا، لا يزال رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، يراوح مكانه من أجل تشكيل حكومة، وهي مهمة تبدو مستحيلة في ظل رغبة سانشيز إعادة الانتخابات وتدمير خصمه اللدود حزب "بوديموس"، بزعامة الشاب المتمرد بابلو إيغليسياس. بيدرو سانشيز، الذي قاد الحزب الاشتراكي العمالي إلى فوز عريض، لكن ليس بالأغلبية المطلقة، خلال انتخابات مايو الماضي، يحن إلى أيام تسيّد فيها الحزب الاشتراكي سنوات الثمانينيات وجزء من التسعينيات، ويتوق إلى استعادة ذلك البريق، رغم صعوبة المهمة. ورغم أن المشهد الحزبي الإسباني عرف تطورات لافتة ونشوء أحزاب قلبت الموازين الانتخابية والسياسية رأسا على عقب، إلا أن الاشتراكيين الإسبان لا يزالون يرون أن بإمكانهم أن يهيمنوا على المشهد السياسي مستقبلا، ولم لا الحصول على أغلبية مطلقة تخول لهم إجراء تغييرات جذرية في البلاد. ورغم أن اليمين الإسباني يعتبر الخصم اللدود للحزب الاشتراكي العمالي، إلا أن سانشيز يرى في رفيق دربه الإيديولوجي، حزب "بوديموس" العقبة الكأداء أمام عودة الأيام الذهبية للحزب الاشتراكي العمالي. وفاز الحزب الاشتراكي في الانتخابات الماضية بقرابة 120 مقعدا، بفارق يقارب الأربعين مقعدا عن الأغلبية المطلقة. ويبدو لافتا أن تلك المقاعد الأربعين التي حرمت الاشتراكيين الإسبان من الفوز بالأغلبية المطلقة، هي نفسها التي فاز بها حزب "بوديموس"، الذي صار يأكل من الكعكة الانتخابية لليسار، لكن بخطاب أكثر راديكالية وبشريحة انتخابية تمتح من الطبقات الاجتماعية الأكثر معاناة في المجتمع الإسباني. وكان متوقعا أن يشكل بيدرو سانشيز الحكومة بتحالف مع "بوديموس"، وبذلك تأخذ الحكومة طابعا يساريا محضا، غير أن ما فاجأ المراقبين هو أن سانشيز يخوض اليوم حملة تدمير إعلامية وانتخابية ممنهجة ضد "بوديموس"، واتهامه بأنه يعرقل تشكل حكومة جديدة عبر اعتماد خطاب غير واقعي. ويرغب سانشيز من رواء هذا الخطاب ضرب عصفورين بحجر، الأول هو سحق منافسه في اليسار وكسب المتعاطفين مع بوديموس لاحقا، والثاني هو الدفع بالأوضاع السياسية بالبلاد "نحو الحائط"، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، يحصد فيها الأغلبية المطلقة. في ظل هذا الوضع، تمارس الأحزاب اليمينية الإسبانية دور المتفرج بامتياز، في انتظار معرفة من سيفوز في هذه الحرب الأهلية الطاحنة داخل "بيت اليسار"، وبعدها ستعمل على حصد أرباحها، والدخول إلى الانتخابات المقبلة أمام يسار منهك بحرب أهلية مدمرة.