في خضم ما يشهده العالم من تقلبات سياسية واقتصادية متسارعة، يواجه المغرب محاولات متكررة للتشويش على استقراره الاقتصادي عبر حملات دعائية ومواقف داخلية مشبوهة تستهدف منشآته الحيوية، وعلى رأسها موانئه الاستراتيجية التي باتت تشكل ركيزة أساسية في موقعه كمركز لوجستي إقليمي ودولي. هذه الحملة، التي تزامنت بشكل لافت مع إعلان إطلاق خط بحري جديد يربط دولتين معروف توجهاتهما، تثير تساؤلات مشروعة حول التوقيت والخلفيات، خصوصًا في ظل مساعي واضحة لبعض الأطراف لإرباك المشهد الاقتصادي المغربي، ودفع الشركات الدولية نحو إعادة النظر في استثماراتها. حققت الموانئ المغربية في السنوات الأخيرة تطورًا غير مسبوق، خصوصًا ميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح من بين الأوائل إفريقيًا والمتقدمين عالميًا في حركة الحاويات. هذا الإنجاز جذب كبريات الشركات العالمية، من بينها الشركة الدنماركية العملاقة "ميرسك"، التي اختارت المغرب كمركز لعملياتها في المنطقة، بعد أن أوقفت تعاملاتها في دول تشهد توترًا أمنيًا وسياسيًا مثل إيران و.....، وفق تقارير اقتصادية غربية موثوقة. هذه الثقة الدولية في المغرب لا تأتي من فراغ، بل تعكس استقراره المؤسساتي، ووضوح رؤيته الاقتصادية، وتقدمه في المؤشرات العالمية لجاذبية الاستثمار. ومن هنا، فإن أي محاولة للتشويش على هذه المكتسبات تطرح علامات استفهام حول المستفيد الحقيقي من ضرب الاقتصاد الوطني. المتابع للحملات الأخيرة التي تدعو – تحت ذرائع مختلفة – إلى استهداف موانئ المغرب، لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليدرك أن بعض الجهات الإقليمية، التي تسعى لإعادة تموضعها في خريطة الشحن البحري والتجارة الدولية، تتضرر من النجاحات المغربية. وفي هذا السياق، لا يمكن فصل هذه التحركات عن إعلان الخط البحري الجديد بين الجزائر و......، الذي جاء في وقت يتزامن مع تصاعد حملات التشويش على منشآت المغرب البحرية. في ظل هذا الوضع، يتساءل العديد من المواطنين والفاعلين: هل من الطبيعي أن يتواطأ بعض "أبناء الداخل" في حملات تشويه تستهدف أعمدة الاقتصاد الوطني؟ وهل تُعتبر حرية التعبير غطاءً مشروعًا لدفع شركات أجنبية إلى مغادرة البلاد؟ الجواب لدى مؤسسات الدولة والقانون، التي باتت مطالبة بتفعيل المساءلة، وفق ما يتيحه الدستور المغربي ومقتضيات حماية الأمن الاقتصادي. في الأدبيات الحديثة للأمن القومي، يُعدّ الأمن الاقتصادي جزءًا لا يتجزأ من السيادة الوطنية. واستهداف المنشآت الاقتصادية – سواء عبر التشويش الإعلامي أو التحريض الشعبي – يجب أن يُواجه بنفس الحزم الذي يُواجه به أي تهديد خارجي. فكل دعوة إلى تقويض ثقة المستثمرين في المملكة هي طعنة في خاصرة الوطن، يجب التعامل معها بوعي قانوني ومسؤولية وطنية. المغرب اليوم في موقع قوة، لكن هذه القوة تزعج البعض، وتدفعهم إلى استخدام أدوات "ناعمة" لإضعافه اقتصاديًا، بعد أن فشلوا في مواجهته سياسيًا أو دبلوماسيًا. والمطلوب اليوم ليس فقط التصدي لهذه الحملات، بل تعزيز الوعي الوطني لدى المواطن بأن الدفاع عن الاقتصاد الوطني هو دفاع عن السيادة، وأن كل دعوة لضرب الاستقرار الاقتصادي ليست مجرد "رأي"، بل فعل يحمل تبعات أمنية واقتصادية لا يمكن التساهل معها.