/ بقلم الذكتور الحسين بكار السباعي في مشهد درامي يعكس إخفاق الدبلوماسية الجزائرية ، رفض الرئيس السوري أحمد الشرع ، طلبا رسميا من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نقله وزير الخارجية أحمد عطاف، للإفراج عن معتقلين من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو، الذين أُسروا في محيط حلب أثناء قتالهم إلى جانب قوات بشار الأسد. رفض صارم يؤكد أن العدالة في دمشق ستأخذ مجراها، وأن المحاكمات ستجرى وفق القواعد الدولية لمعاملة أسرى الحرب، دون استثناء أو محاباة . فكان لهذا القرار وقع ثقيل على وزير الخارجية الجزائري، الذي تجرعه بمرارة المنهزم، إذ أدرك أن نفوذ بلاده في المنطقة بات يتآكل أمام التحولات الجيوسياسية المتسارعة. لم تقتصر أهداف زيارة أحمد عطاف إلى دمشق على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، بل كانت أيضا محاولة لضمان استمرار اعتراف سوريا ب"جمهورية الوهم". غير أن هذه المساعي باءت بالفشل، في انتكاسة جديدة تضاف إلى سجل الدبلوماسية الجزائرية المتعثرة، والتي أضحت حسب خبراء العلاقات الدولية مدرسة في دبلوماسية "الغباء". فوسائل الإعلام الرسمية السورية تعاطت مع الزيارة ببرود لافت، ما عكس فتور العلاقات بين دمشقوالجزائر، مما أثار مخاوف لدى نظام قصر المرادية من تكرار سيناريو ليبيا، حيث قطعت الحكومة الليبية الجديدة بعد سقوط نظام القذافي جميع علاقاتها مع البوليساريو ، خاصة بعد تأكيد تقارير استخباراتية مشاركة مقاتلي الجبهة في دعم قوات القذافي خلال النزاع الليبي . ولأن الجزائر هي الصانع الفعلي للبوليساريو، فقد استمرت في بذل جهود حثيثة منذ فرار الأسد لضمان عدم حدوث موقف مشابه في سوريا. ويعد ملف مقاتلي البوليساريو المعتقلين لدى السلطات السورية الجديدة أحد أبرز أولويات الدبلوماسية الجزائرية، إذ تم إرسال هؤلاء المرتزقة، بدعم مباشر من الجزائر، للقتال إلى جانب قوات الأسد . ومع تغير المشهد السياسي في سوريا، تجد الجزائر نفسها أمام تحد جديد يهدد نفوذها، خاصة مع انفتاح دمشق على قوى إقليمية ودولية منافسة للجزائر. في ظل هذه التغيرات المتسارعة، يبدو أن زيارة أحمد عطاف لم تكن سوى خطوة استباقية تهدف إلى احتواء أي تحول محتمل في الموقف السوري. غير أن رفض الرئيس أحمد الشرع لهذا الطلب كشف بوضوح أن السياسة ليست مجرد لعبة مساومات، بل ساحة تتطلب استراتيجيات مدروسة وتحركات محسوبة. هذا الموقف السوري الحازم يبعث برسالة واضحة مفادها أن التحالفات القديمة لا تصمد أمام التغيرات السريعة في المشهد السياسي، وأن الاعتماد على العلاقات التاريخية دون مراعاة المستجدات قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. ختاما ، إن الدول التي لا تواكب التحولات الجيوسياسية ، وتظل رهينة أوهام الماضي ، ستجد نفسها عاجزة عن حماية مصالحها في عالم متغير، حيث لا مكان إلا لمن يمتلك الرؤية والحكمة في إدارة تحالفاته، فلا مكان اليوم للغباء الديبلوماسي. ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان. رئيس مكتب سوس ماسة للمرصد الدولي للإعلام وحقوق الانسان.