الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو ونظيره الجزائري أحمد عطاف الذي جرى بالأمس يؤكد بالملموس حرص الولاياتالمتحدة الأميركية على التوجه نحو تصفير النزاعات والصراعات الإقليمية، والذهاب نحو إنهاء مختلف بؤر التوتر بما في ذلك النزاع المفتعل حول الصحراء. الاتصال الذي جاء بعد مكالمة مماثلة أجراها الوزير الأميركي مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تضمن إشارة مهمة جدا وفقا لبيان الخارجية الأميركية، تتمثل في التركيز على "جهود معالجة انعدام الاستقرار في منطقة الساحل". وبينما فضلت وزارة الخارجية الجزائرية عدم نشر أيّ معطيات في منصاتها الرسمية حول هذا الاتصال، فإنها قد سرّبت في المقابل بعض البيانات إلى وسائل إعلامية خاصة، ولم تتضمّن هذه البيانات أيّ إشارة إلى قضية الصحراء على غرار ما تعوّدت ذكره في لقاءات مماثلة مع مسؤولين دبلوماسيين آخرين. والجملة التي تحدث عنها بيان الخارجية الأميركية تلخص في الحقيقة وبإيجاز مطلق النهج الجديد للإدارة الأميركية. لقد وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء الحروب والنزاعات التي يعيش العالم على إيقاعها منذ فترة طويلة، وقد بدأ بفرض اتفاق وقف إطلاق النار على إسرائيل وحماس، ويعمل حاليا على تذليل الصعوبات من أجل إطلاق مسلسل التفاوض بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب التي سبّبت الكثير من المصاعب الاقتصادية للعالم. وإصرار وزير الخارجية الأميركية على مناقشة مشكلة انعدام الاستقرار في منطقة الساحل يمثل في الحقيقة إدانة صريحة للنظام الجزائري باعتباره المسؤول المباشر عن الكثير من القلاقل والتوترات التي تشهدها المنطقة المذكورة منذ زمن طويل، وشهدت في الآونة الأخيرة تفاقما ولا سيّما في مالي والنيجر. يكفي أن نتذكّر أن هذا الاتصال الهاتفي الذي تطرّق إلى قضية الاستقرار في منطقة الساحل يأتي بعد أسابيع قليلة من أزمة دبلوماسية جديدة بين جمهورية مالي والنظام الجزائري، بعد أن وجهت السلطات المالية اتهاما مباشرا للسلطات الجزائرية واتهمتها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وتأجيج الصراعات الداخلية من خلال تشجيع بعض التنظيمات الانفصالية التي تقاتل الحكومة المركزية. كما أن هذا الاتصال يأتي أيضا بعد أيام قليلة فقط من تعرّض سائح إسباني للاختطاف في جنوبالجزائر، وادّعاء النظام الجزائري تحريره من بين أيدي الجماعات المسلحة وإعادته إلى بلاده. في حين لم ترد على سبيل المثال في بيان وزارة الخارجية الأميركية حول الاتصال الهاتفي مع ناصر بوريطة أيّ إشارة إلى منطقة الساحل، وهذا دليل أيضا على أن الولاياتالمتحدة واعية جدا بالدور المشبوه الذي تلعبه السلطات الجزائرية في اختلاق حالة انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة. بل إن هذا البيان الذي أصدرته الخارجية الأميركية بعد الاتصال بين روبيو وبوريطة أشاد بالجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس في ضمان الاستقرار والسلم الإقليمي والدولي، وأكد حرص واشنطن على التعاون مع المغرب من أجل الحد من النزاعات. لهذا فإن الصمت الإعلامي الرسمي في الجزائر عن مضامين هذا الاتصال بين الطرفين يوحي بأنه لم يكن مُرضيا تماما لغرور النظام الجزائري، الذي يدرك جيدا أنه لا يستطيع ممارسة ثقافة التحريض التي تعود عليها من خلال إثارة الأطروحة الانفصالية، والتعبير عن دعمها وتأييدها. فدونالد ترامب لا يريد أن يسمع من الجزائريين في الوقت الحالي غير إجابتين: الأولى تتعلق بتوسيع امتيازات الشركات الأميركية في استغلال النفط والغاز الجزائري، وتعظيم المكاسب التي تجنيها من وراء ذلك. وقد أشار بيان الخارجية الأميركية في هذا السياق أن الوزيرين ناقشا سبل ترسيخ التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة على نحو يعود بالنفع على الأميركيين والجزائريين. وهذا يعني أن الطرف الأميركي تلقى إشارات إيجابية جدا على هذا الصعيد. والإجابة الثانية التي ينتظرها ترامب من النظام الجزائري هي المتعلقة بتحمّل مسؤولياته الكاملة في التوصل إلى الحلّ النهائي والسلمي للنزاع المفتعل حول الصحراء، والقبول بالجلوس قريبا إلى طاولة التفاوض من أجل صياغة هذا الحل تحت إطار السيادة المغربية التي اعترفت بها إدارة ترامب في ولايته الرئاسية الأولى.