فضيحة الشغب التي شهدتها مباراة شباب قسنطينة واتحاد العاصمة في الدوري المحلي الجزائري على مرأى ومسمع من كاميرات التلفزيون تعكس إلى أي مدى وصل الاحتقان في أوساط الشباب والجماهير الجزائرية بسبب سياسة القمع وفرض القرارات الأحادية والغبية من طرف نظام الكابرانات. هذا المشهد السوريالي الذي شهدته المباراة ودرجة العنف الشديد التي تميّزت بها إلى مستوى غير مسبوق من التخريب والتدمير للمرافق الرياضية تؤكد بالملموس أن تسييس الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا في الجزائر أوصل الجماهير الرياضية إلى مستوى عالٍ من التوتر والغضب. وليس من المستغرب أن يكون جمهور اتحاد العاصمة أوّل الجماهير المعبّرة عن هذا الاحتقان بعد أن سقط خلال هذا الموسم ضحية الحسابات السياسوية للنظام الجزائري. صحيح أن الاتهامات وُجّهت أولاً لجمهور شباب قسنطينة في إشعال فتيل أعمال الشغب، لكن الغريب أن هذه الأعمال لم تندلع في البداية بين جمهورَي الفريقين، بل كانت بالأساس بين الجماهير ذاتها، ثم توجّهت نقمتها ونار غضبها بعد ذلك نحو رجال الأمن الذين كانوا يشرفون على تأمين هذه المباراة، قبل أن يتحوّل الأمر إلى فوضى عارمة اختلط فيها الحابل بالنابل، وأصبح خلالها ملعب المباراة ساحة مفتوحة للكرّ والفرّ في كل الاتجاهات، دون أيّ منحى أو غاية واضحة، غير تفريغ الغضب وتنفيس المشاعر السلبية التي راكمتها هذه الجماهير خلال الموسم الحالي. وهذا يعني أنّ ما حدث على الرغم من فداحته وخطورته لم يكن مفاجئا نظرا إلى ما تعرّضت إليه جماهير الكرة ولا سيّما جمهور اتحاد العاصمة من احتقار واستهداف خلال هذا العام. ما ذنب جمهور اتحاد العاصمة أن يُحرم من متابعة مشوار ناديه المفضل في كأس الكونفدرالية الإفريقية للأمم بعد أن بلغ مباراة نصف النهائي في مواجهة نادي نهضة بركان؟ يجب أن يدرك المسؤولون عن الرياضة والسياسة في الجزائر، لأنّهما مترادفان تماما في هذا البلد، أنّ الغضب الذي عبّرت عنه جماهير الكرة في ملعب مصطفى حملاوي بمدينة قسنطينة نتيجة طبيعية لهذا الضغط والتدخل السياسي السافر في كرة القدم، وقرارات الأندية المستقلة وإجبارها على أجندات لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد. يدرك جمهور اتحاد العاصمة مثلا أن ناديه كان يحتفظ بكامل حظوظه في التأهل للمباراة النهائية وربّما الفوز باللقب لو خاض المباراة بعيدا عن المقاطعة التي فُرضت عليه. وما أصعب الحرمان من هذا الحلم الذي كان قريبا وفي المتناول. لذلك لن نبالغ إذا أكدنا أن كرة القدم الجزائرية مرشّحة لتشهد المزيد من الاحتقان والانتفاضات الجماهيرية في المستقبل القريب ما دام نظام الكابرانات مصرّاً على خلط السياسة بالرياضة وتحميل هذه الأندية التي لا حول ولا قوة لها نتائج هذه الاستراتيجية الفاشلة. وقريبا سيزداد هذا الاحتقان أكثر عندما سيعلن الاتحاد الإفريقي عن العقوبات المقرّرة ضد نادي اتحاد العاصمة بسبب مقاطعته لمباراة الإياب وعرقلة حكومته لمباراة الذهاب ضد نهضة بركان. كيف يمكن أن يتعامل إذاً هذا النظام مع الغضب الذي من المرجّح أن يسيطر على الجماهير عندما سيُستبعد ناديها المفضّل من المشاركة في أيّ منافسة إفريقية سنتين على الأقلّ؟ لن تكفي قرارات الاتحاد الجزائري لكرة القدم بمنع حضور الجماهير في الدورات المتبقية من الدوري المحلي، لأن الأمر يتعلق بغضب عام وعارم بسبب الشعور بالتعرّض إلى الخداع والتلاعب من طرف هذا النظام. إلى متى ستظل الملاعب الجزائرية دون أيّ جماهير؟ ليس هناك حلّ آخر إذاً سوى إعلان حالة الطوارئ الكروية وإقرار المزيد من الضغوط الأمنية على الأندية وجماهيرها ومن ثمّ تحويل كرة القدم في هذا البلد إلى لعبة محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية، في أفق حظرها أو ربّما توقيف النشاط الرياضي إلى إشعار آخر. فالقرارات التي يتخذّها هذا النظام تقود إلى هذه النتيجة حتما.