حادثة ضرب اللاعب عبد الرزاق حمد الله من طرف مشجع سعودي على خلفية مباراة فريق اتحاد جدّة والهلال في نهائي السوبر السعودي تمثل إساءة مباشرة إلى كرة القدم السعودية عموما ودوري روشن خصوصا ولا سيّما بعد الجهود التي بُذلت في السنوات القليلة الماضية لنقل دوري المحترفين السعودي إلى مستويات عالمية. لقد أنفقت المملكة العربية السعودية من خلال صندوق الاستثمار الرياضي المليارات من أجل تطوير اللعبة وتحسين البنيات التحتية ودعم الأندية السعودية لاستقطاب كبار اللاعبين العالميين، لكن ظلّت مشكلة الثقافة الكروية لدى الجماهير السعودية تطرح الكثير من التساؤلات. صحيح أن الجماهير السعودية أثبتت أيضا في السنوات الماضية أنها تواكب هذا التحوّل الهائل الذي يشهده الدوري السعودي، لكن هناك الكثير من الظواهر التي ينبغي الانتباه إليها. المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية واجتاح مواقع التواصل الاجتماعي أثار الكثير من ردود الأفعال المستهجِنة وتناقلت في أعقابه الكثير من التعليقات بعض الصور النمطية عن علاقة الدول العربية والخليجية على الخصوص بكرة القدم، وتم تداول تصريحات مفبركة منسوبة إلى لاعبين عالميين، وهذا كلّه ليس في مصلحة كرة القدم السعودية ولا في مصلحة الدوري السعودي الذي يحاول أن يستقطب الاهتمام العالمي بعد كل الجهود التي بذلت على مستوى الاستثمارات والتغطية الإعلامية والمواكبة بالخبرات والموارد البشرية وتغيير الاستراتيجيات والسياسات العامة. هذه اللقطة وحدها كانت كفيلة بضرب كل ذلك في مقتل، وتلويث سمعة دوري روشن الذي يضم نجوما من العيار الثقيل من قبيل كريستيانو رونالدو وساديو ماني ونيمار وغيرهم. هل يكفي المال وحده إذاً لبناء تجربة رياضية مميزة كتلك التي أسستها المملكة العربية السعودية اليوم؟ طبعا لا، وأول من يعرف ذلك هم المسؤولون عن كرة القدم في المملكة العربية السعودية، لأن تطوير الأندية والبنيات التحتية واستقطاب النجوم لن يؤتي أكله في النهاية إذا استمرت بعض الممارسات غير اللائقة تصدر من هذا الطرف أو ذاك. قد يقول قائل إن عبد الرزاق حمد الله كان هو البادئ لأنه رشّ الشخص الآخر بالماء وتبادل معه السباب، ولكن ألا يحدث ذلك في الملاعب الأوربية في بعض الأحيان؟ فهل شاهدنا من قبل أحد الجماهير يخلع حزامه أو يخرج سوطه لضرب لاعب ما؟ لقد كان شغب الملاعب دائما سلوكا بعيدا عن دوريات كرة القدم في الدول الخليجية. نادرا ما كنّا نرى الجماهير تتعارك مع رجال الأمن أو يواجه بعضها بعضا في المدرجات. وسبب ذلك طبعا هو الصرامة الأمنية التي تميّز هذه الدول التي لا يمكن السماح فيها باندلاع أيّ مواجهات على نطاق واسع أو استفزاز رجال الأمن أو المسؤولين عن تأمين المدرجات. ومن جهة أخرى كان الجمهور الخليجي دائما جمهورا هادئا متعقّلا رزينا يحبّ كرة القدم الجميلة لكنّه لا ينساق وراء التعصّب أو العنف ولا يتأثر بمظاهره أو أشكاله التي نراها في ملاعب أخرى عربية أو عالمية. ولهذا يحتاج الدوري السعودي في كرة القدم إلى جهود أخرى تتجاوز تلك المبذولة على صعيد التسويق الرياضي التقليدي. التسويق الذي يحتاج إليه الدوري السعودي اليوم هو المرتبط بالجمهور وثقافته الكروية وتأهيله ليعود إلى ثقافة الهدوء والرزانة والروح الرياضية التي تتقبّل الخسارة مثلما تفرح بالهزيمة. يجب ألّا يكون قدوم لاعبين كبار من أمثال رونالدو ونيمار وغيرهما إلى الدوري السعودي لعنة تصيب المحبّين والجماهير بلوثة العنف والتعصب بعد أن سلِموا منها عقوداً طويلة أبانوا خلالها عن قدر كبير من الاهتمام والتشجيع للأندية السعودية. قد تُطوى حادثة عبد الرزاق حمد الله بمصالحة أو معاقبة الجاني أو أيّ حل آخر، لكن هذا لا يعني أن المشكلة قد انتهت. المجهود الذي تحتاج إليه كرة القدم السعودية ودوري روشن على مستوى تثقيف الجماهير وتوعيتها وتحسيسها بأهمية اللعب بروح رياضية هو الرهان المقبل الذي يجب الاهتمام به أيضا على غرار ما أُنجز في محاور أخرى.