المحاولات البائسة واليائسة لنظام الكابرانات لمعاكسة الوحدة الترابية للمملكة المغربية لا تنتهي. صحيح أنها لم تعد تجدي شيئا لكنّها تنبئ عن استمرار هذه العقلية الفاشلة في تجريب كل السبل والوسائل المتاحة أمامها من أجل تحقيق هدف واحد وأوحد هو تهديد استقرار المغرب وتقسيم أراضيه. آخر حلقة في مسلسل المعاكسة اليائسة هذا استقبال الرئيس الجزائري بالأمس لرئيس جمهورية سيراليون، وفي طيات هذا اللقاء إثارة موضوع الصحراء الذي يؤرق الكابرانات ويطير النوم عن عيون قياداتهم. الرئيس السيراليوني جوليوس مادا بيو لم يتردد في التعبير عن موقف بلاده الراسخ الداعم للوحدة الترابية للمغرب، لا سيّما أن سيراليون من بين الدول الإفريقية التي اتخذت قرارا شجاعا وفتحت قنصلية لها في مدينة الداخلة. بعبارة أخرى يبدو أن الرئيس الجزائري والكابرانات استنجدوا بالحليف الخطأ. صحيح أن ثمة محاولات جزائرية حثيثة لإغراء بعض الجيران الأفارقة بتغيير مواقفهم مقابل رشاوى البترودولار لكن الزمن الذي كانت فيه هذه السياسة تؤتي أكلها قد ولّى. جلّ الدول الإفريقية تربطها بالمغرب حاليا علاقات وثيقة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأمني والروحي ومن ثمّ فإن شراء الاعتراف الوهمية للبوليساريو والتصريحات المناهضة للمغرب لم يعد ممكنا في الوقت الراهن. في مجال العلاقات الدولية لا يصحّ إلا الصحيح، ولا يمكن أبدا أن تغامر دولة محترمة بمصالح راسخة من أجل الحصول على امتيازات ظرفية عابرة. ما يقدمه المغرب لإفريقيا أرسخ وأعمق من مجرد تمويلات محدودة ومؤقتة. ما يجمع المغرب بسيراليون على سبيل المثال يجسد عمق العلاقات البينية الإفريقية، ويعكس أهمية التعاون جنوب-جنوب. والدور التاريخي الذي لعبه المغرب في إنجاح مسلسل السلام في هذا البلد الإفريقي الذي لطالما اكتوى بنيران الصراعات والحروب الأهلية لا يمكن أبدا أن تنساه القيادة السيراليونية. بعد الاستقرار الذي شهدته سيراليون لم يتأخر المغرب في دعم مسلسل التنمية وشارك بوفد مهم من وزارة الفلاحة لمواكبة مشروع الإنتاج الغذائي والزراعي في البلاد، ولم يبخل على الطلبة السيراليونيين بمنح مهمة لاستكمال دراساتهم العليا في بلادنا. ومع ذلك فإن سيراليون في هذا السياق مجرد مثال دال على الكثير من البلدان الإفريقية التي استطاع المغرب أن يبني معها علاقات متينة وقوية أشبه بالشراكة الاستراتيجية والتحالف العميق. السياسة الإفريقية الرشيدة للمغرب إذاً هي الحصن الذي تطمئن إليه بلادنا اليوم اطمئنانا كاملا فيما يتعلق بحشد الدعم للقضية الوطنية وتجنّب المواقف العدائية المفاجئة التي كانت في الماضي. يمكن أن يصرف الكابرانات كل مقدّرات الشعب الجزائري المغلوب على أمره من أجل شراء اعتراف هنا أو هناك لا سيّما بعد أن أضحت جمهورية الوهم خارج نطاق الاعترافات الرسمية لغالبية دول العالم. وعلى عصابة العسكر أن تكون مستعدة لإنفاق كل ما يملكه الشعب الجزائري من ثروات إذاً لتحقيق اختراق دبلوماسي عابر إذا استطاعت أن تفعل ذلك. الرئيس السيراليوني الذي يزور الجزائر هذه الأيام لن يتأخر كثيرا عن زيارة المغرب لاستكمال ما تحقق في الشراكات الثنائية بين البلدين. فما الذي قدّمته الجزائر لسيراليون أو غيرها من البلدان الإفريقية على مستوى الشراكات الرائدة؟ على الكابرانات أن يدركوا إذاً أن دول القارة السمراء تنتظر من العلاقات الثنائية والخارجية أكثر من الشعارات الفارغة والجوفاء. تريد الدول الإفريقية تنمية وتكوينا وتخطيطا وبرامج ومشاريع واستثمارات فعلية تخلق فرص الشغل وتعزز الثروة وتطور البنية التحتية وتخرج هذه الدول من معاناتها وارتهانها للمؤسسات المالية الدولية. وهذا ما لا يستطيع أبدا نظام عسكري ريعي كالنظام الجزائري أن يقدمه للدول الإفريقية لأن حساباته السياسوية الضيقة لا تضع على رأس أولوياته المنجزات التنموية بل تركز فقط على أهداف الهيمنة المزعومة التي ستظل مجرد حلم لن يتحقق.