الخسائر الإسرائيلية الفادحة في أرواح الجنود المشاركين في العدوان على قطاع غزة في تصاعد مستمر والضغط الذي تمثله هذه الخسائر على مستوى الحرب النفسية يشكل عبئا إضافيا إلى المأزق الذي تورطت فيه حكومة بنيامين نتنياهو. كلما تورط الجيش الإسرائيلي في هجومه البرّي زادت حصيلة القتلى وتعقدت عملية الخروج من هذا الفخ أكثر. مقتل العشرات من الجنود والضباط وإصابة المئات بجروح بليغة وعاهات مستديمة يرعب المجتمع الإسرائيلي الذي لم يكد يستفيق من صدمة هجوم 7 أكتوبر حتى غرق في كابوس الحرب المتواصلة. ما يزيد هذا الكابوس رعبا هو وتيرة تزايد الخسائر واضطرار إسرائيل إلى خوض حرب طويلة لن تنتهي قبل نهاية العام على الأقل. لكن هل الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتقديم أرواح المزيد من الجنود الإسرائيليين في الأسابيع المقبلة ورفض التفاوض حول هدنة جديدة أو وقف دائم لإطلاق النار؟ من الواضح أن حكومة نتنياهو أضاعت البوصلة تماما ولم تعد تسعى وراء أهداف واضحة يمكن أن تتوقف عندها أو تخطط للمعارك بناءً عليها. وهنا مكمن الخطر المحدق بهذه العملية العسكرية برمّتها. حركة حماس تواصل عمليات المقاومة والتصدي للجيش الإسرائيلي وتوجه عملياتها الصاروخية بانتظام نحو المدن الإسرائيلية كما تخوض حربا نفسية وإعلامية باقتدار كبير، يحرج بنيامين نتنياهو ويربك حساباته الداخلية والخارجية. ووسط هذا كله يواصل الاحتلال الإسرائيلي اقتراف المزيد من الجرائم والمجازر التي تسيء إلى إسرائيل وتلحق بها هزيمة أخلاقية واضحة في كل المحافل الدولية. النفَس الطويل الذي تسلحت به الفصائل الفلسطينية يفاجئ إسرائيل وحلفاءها ويعقد إلى حد كبير عملية وضع تصور واضح لما بعد الحرب. من الصعب جدا التخطيط لمستقبل قطاع غزة إذا لم تنته الحرب وتستسلم حركة حماس وتسلم ما لديها من أسرى. ويبدو هذا الخيار شبه مستحيل في ظل استمرار حرب الاستنزاف اليومية ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في قطاع غزة. حرب الاستنزاف هذه هي الرعب الحقيقي الذي تخشاه إسرائيل وتخاف أن يطول أكثر مما حضّرت له وتوقعته. الإعداد والتحضير الجيد للحرب على ما يبدو هو العامل الذي سيحسم نتيجتها لا محالة. هذا يعني أن ما تعيشه إسرائيل اليوم من تعثر وارتباك في المواجهة البرية هو نتيجة غير مباشرة لعامل المفاجأة الذي مثّله هجوم 7 أكتوبر. بعبارة أخرى لقد دخلت إسرائيل حربا لم تستعد لها جيدا ولم تكن ترغب فيها ولا تتوقعها. وهذه المفاجأة لم تسمح للجيش الإسرائيلي بالوقت الكافي لإعداد جنوده والتحضير جيدا لهذه المواجهة. على سبيل المثال يخسر الجيش الإسرائيلي كل يوم عشرات الآليات العسكرية وتواجه دبابة الميركافا الشهيرة فشلا ذريعا بفضل الضربات الدقيقة التي تتلقاها من المقاومين الذين يستخدمون قذائف محلية الصنع مثل قذيفة الياسين. قرار خوض الحرب كان رد فعل واستجابة تلقائية بدلا من أن يكون قرارا مدروسا ومخططا له بإحكام. والنتيجة هي هذه الهزائم اليومية التي يحصدها الجيش الإسرائيلي. السؤال المزعج اليوم لحكومة نتنياهو وحليفتها إدارة بايدن: كيف السبيل إلى الخروج من هذه الحرب مع حفظ ماء الوجه ودون استسلام لشروط المقاومة؟ يبدو أن الجواب صعب ومؤلم للغاية. الأهداف العالية السقف التي وضعتها إسرائيل وعلى رأسها اجتثاث حركة حماس من قطاع غزة تبتعد عن الواقع يوما بعد يوم. والإصرار على خيار الحرب وقوة السلاح لا يزيد المقاومة إلا صلابة وتماسكا على الرغم من فداحة الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين. تدرك إسرائيل جيدا أن الفصائل الفلسطينية ليس لديها ما تخسره وأن الكلفة السياسية والاقتصادية لهذه الحرب ستقع أساسا على عاتق حكومة نتنياهو. وإذا لم تفكر هذه الحكومة قريبا في تغيير استراتيجيتها وتعديل أهدافها فسيكون من الصعب عليها الخروج من هذه الورطة.