أزمة جديدة تطل بقرنها من تل أبيب و أنقرة، بسبب الحرب الدائرة في غزة، بعد أن دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إسرائيل إلى"وقف هذا الجنون فورًا"، و اصدار الخارجية الإسرائيلية أمرها بعودة الممثلين الدبلوماسيين من أنقرة؛ و هو ما يؤشر، بحسب متتبعين، على أن العلاقات بين البلدين ستعود إلى "جفاء الماضي"، رغم محاولات تركية لإصلاح علاقاتها مع إسرائيل. ويرى مراقبون أن مسار التطبيع بين تركيا و إسرائيل، تأثر كثيرا بعد اتساع نطاق الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، مؤكدين أن المصالح العسكرية والاقتصادية بين الجانبين لن تصل إلى "حد القطيعة". الخطاب شديد اللهجة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تجاه إسرائيل، جاء أكثر حدّة عن الأيام الأولى لهجمات حماس وما تبعه من رد إسرائيلي. و يرى خبراء العلاقات الدولية أن موقف الإدارة التركية في هذا الوقت، اتخذ مسار "التوازن الحذر" في التحركات الدبلوماسية لحل الأزمة ومحاولة لعب دور الوسيط، دون أن تتكبد خسائر سياسية من مواقفها، خاصة لرغبتها في عدم تعريض التقدم بعلاقتها مع تل أبيب للخطر، وفي نفس الوقت الحفاظ على الدعم للقضية الفلسطينية. ومع استمرار عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، و سقوط المزيد من الضحايا، غالبيتهم أطفال، تبنت أنقرة "خطابا حادا"، تضمن انتقادات حادّة للجانب الإسرائيلي، واتخاذ إجراءات على الأرض، منها إلغاء أردوغان خطط زيارته إلى تل أبيب. و قال في هذا الصدد، : "كانت لدينا خطة لزيارة إسرائيل لكنها ألغيت، لن نذهب.. لقد صافحت هذا الرجل (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو)، كانت لدينا نوايا حسنة لكنه استغلها". و وفقا للمتتبعين لمسار العلاقات التركية-الإسرائيلية، فإن الخطاب التركي فيما يتعلق بتطور الأوضاع في قطاع غزة، شهد تحولًا، حيث كانت تركيا حريصة في بادئ الأمر على تبني خطاب متوازن، وإعلان استعدادها للقيام بدور وساطة بين طرفي الصراع، غير أن " تصاعد القصف الإسرائيلي دفع أنقرة لتغيير خطابها وتبني لغة أكثر تشددًا تجاه إسرائيل". و مرد هذا الغضب التركي، بحسب مراقبين، هو أن خطاب أردوغان مرتبط بالأساس من غضب داخل تركيا ذاتها وخاصة من أنصار حزبه العدالة والتنمية، وبالتالي فهناك رأي عام داخلي ضاغط على حكومته لاتخاذ هذا النهج، وتعزيز الحضور مجددًا في الشارع التركي. رغم كل ذلك، يستبعد المحللون، وصول العلاقات التركية الإسرائيلية إلى مرحلة "القطيعة"، مؤكدين أن " خطاب أردوغان لا يصل إلى ذروة التشدد"، مشددين على أن " هناك حرص تركي في نهاية المطاف على تأمين المصالح مع الجانب الإسرائيلي، خاصة ما يتعلق بقطاع الطاقة والمصالح الاقتصادية". استبعاد فرضية "القطيعة" الدبلوماسية بين تل أبيب و أنقرة، بالرغم من مغادرة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية لأنقرة قبل ساعات، مرده إلى حرص مشترك بين تركيا وإسرائيل على ألا تعود العلاقة لما كانت عليه قبل 2010، و ذلك بالنظر إلى مشاريع طاقية تربط بين البلدين، و وجود تنسيق أمني و سياسي بينهما، فضلا عن العلاقات الاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية التي تسير بشكل منتظم رغم لغة "التراشق الإعلامي" بسبب الحرب الدائرة في غزة منذ 8 أكتوبر الجاري. لذلك، و بالنظر إلى خصوصيات العلاقات التركية الإسرائيلية، التي ولدت برعاية أمريكية، فإن مسار التطبيع سيتأثر "مرحلياً" نتيجة التصاعد في الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنه لن ينتهي إلى القطيعة.