من المفارقات التي تعبّر عنها بعض أجنحة الإعلام الإسباني المتطرف هذه المخاوف الوهمية التي لا تكاد تنتهي بخصوص تسلّح المغرب وتنامي قدراته العسكرية، والترويج للفكرة القائلة أن هذا التطور الذي يحققه الجيش المغربي إنما هو موجّه بالأساس ضد مدريد ومصالحها واستقرارها. ومن غرائب هذه المفارقات أن الإعلام الإسباني المذكور اهتم في يوم واحد بصورتين متناقضتين تماما فيما يتعلق بملف العلاقات المغربية الإسبانية. في اليوم نفسه كتبت الصحافة الإسبانية عن رئيس الحكومة المنتهية ولايته بيدرو سانشيز الذي اختار مراكش وجهة لقضاء عطلته الشخصية رفقة عائلته، ونشرت صوره في ساحة جامع الفنا مستمتعا بجولته السياحية. ونشرت في المقابل تقريرا يتحدث عن مخاوف إسبانيا من التسلح المتزايد للجيش المغربي بأسلحة أمريكية وإسرائيلية الصنع. صورتان متناقضتان تماما تعكسان هذا الهوس الذي يصيب أحياناً بعض وسائل الإعلام الإسبانية الباحثة عن الاصطياد في الماء العكر، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع جيدا أن التسلح المغربي المشروع ليس سوى تحصين للوحدة الترابية وسلامة أراضينا بعيدا عن أيّ نوايا عدائية ضد أيّ طرف كان. حتى البلدان التي اختارت معاداة المغرب وتعمل ليل نهار على الكيد لوحدته واستقراره مثل الجزائر، يقابلها المغرب باستمرار بتأكيد رغبته في تطبيع العلاقات والتعاون المشترك والحفاظ على سلامتها واستقرارها. هذا ما جاء مرة أخرى صراحة في خطاب جلالة الملك محمد السادس الأخير بمناسبة ذكرى عيد العرش. تواجد رئيس الحكومة الإسبانية على الأراضي المغربية مستمتعا بعطلته الشخصية دون أيّ بروتوكولات أو إجراءات استثنائية إشارة رمزية بالغة الأهمية في الظرفية الحالية. من المؤكد أن رئيس الحزب الاشتراكي الإسباني يستحق من المغرب كل التحية على وفائه والتزامه بكل ما وعد به عندما تم استئناف العلاقات بين البلدين من جديد بعد الاعتراف التاريخي بمغربية الصحراء. وهو هنا في مراكش ليؤكد استمرارية هذه العلاقة الجديدة المبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين، علما أن بلاده تمر في الوقت الراهن بمرحلة سياسية جد حسّاسة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وانطلاق مسلسل المشاورات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، التي قد يترأسها منافسه رئيس الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيخو. في الماضي كان من الصعب على المسؤولين الإسبان في خضم الشحن السياسي والتعبئة الإيديولوجية والانتخابية أن يبادروا إلى توجيه رسائل بهذه الطريقة الرمزية. لكن ما فعله سانشيز يعد جزء لا يتجزأ من معركة التفاوض الجارية اليوم في بلاده. هناك احتمال كبير أن يفشل المنافس فيخو في تجميع مكونات الأغلبية الكافية لتشكيل حكومة تحت رئاسته. ومن هنا فإن عودة سانشيز إلى السلطة أمر غير مستبعد بتاتا. لذا فإن زيارته لبلادنا، وبالضبط إلى مدينة مراكش بكل دلالاتها السياحية والتاريخية القوية، تأكيد جديد على أن كل ما تم تداوله خلال الحملة الانتخابية من رسائل معادية للمغرب، من أجل كسب بعض الأصوات من أطراف سياسية معينة لن يؤثر بتاتا على القرار في الحزب الاشتراكي الإسباني، الذي حسم موضوع العلاقات مع المغرب. لذلك من الطبيعي أن تصعد إلى الواجهة خطابات تحريض أو محاولات تأجيج لخلافات وهمية من قبيل هذه المقالات التي تركز على مسألة التسلح والتقارب المغربي الإسرائيلي. والغريب أن مدريد التي تجمعها بإسرائيل علاقات تاريخية قوية جدا، هي التي تريد اليوم أن تعبّر عن تخوفها من العلاقات المغربية الإسرائيلية التي لا تقل بدورها عراقة بالنظر إلى حجم الجالية اليهودية في إسرائيل. إذا كان المغرب يتسلح بأسلحة أميركية أو إسرائيلية فهذا قراره الخاص والسيادي. ولم يعد مقبولا بعد ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من تطور وتقدم على مستوى التفاهم الثنائي وتجاوز الخلافات وتحييد نقاط التعثر المحتملة أن يعود الحديث عن التسلح إلى الواجهة من جديد. بعبارة أخرى إذا كان استدعاء ملف التسلح إلى الواجهة الإعلامية يدخل في إطار التجييش الذي يقوم به الحزب الشعبي من أجل إقناع الأحزاب الأخرى للانضمام إلى تحالفه الحكومي المرتقب، فمن المفيد للجميع أن يتم تجاوز هذه الأساليب المفضوحة التي لم تعد تقنع الشعب الإسباني نفسه، بعد أن تيقّن أن مصلحة بلاده مع مغرب قوي ومستقر بسيادة كاملة ومحترمة.