يوم 25 أكتوبر تطفئ فيه الحاجة "بوقاموم تكفة نث قاسي" الشمعة للمرة ال 101، لتكون أكبر معمّرة جزائرية تحديدا بولاية البويرة، فبالرغم من قساوة الحياة ومتغيراتها، إلا أن هذا لم يأخذ منها إلا سنوات عمرها، لتحافظ بذاكرتها واللحظات التي شهدتها دون أن تغفل عنها شيئا. لاتزال الحاجة بوقاموم تستحضر التفاصيل اليومية من مواقيت الصلاة وعدد الركعات، ومازال باستطاعتها الصيام والقيام دون شكوى من أية تداعيات مرضية أو صحية. اكتفت بتجربة زواج واحدة في حياتها، ونالت من ثمرة زواجها ذكرين و6 إناث، لتصبح جدّة ل 50 حفيدا وتتذكرهم جيدا واحدا واحدا. عايشت الحاجة بوقاموم كل الأحداث التاريخية من الاستعمار الفرنسي الذي أحرق بيتها، المنزل الذي كان يأويها وأسرتها وملجأَ لاختباء المجاهدين والمقاومين الجزائريين آنذاك، ذكريات صعبة وأخرى مبهجة مخزنة برفوف ذاكرتها دون أن ينال منها وحش النسيان أو الخرف. وككل الأمهات اللواتي ضحَّين بشبابهن لتحقيق مبتغى أطفالهن، بعد إصابة زوجها بإعاقة كلية، استعدّت الحاجة بوقاموم لتتكبّد مشاق الحياة، باعت البيض والعنب وأعمال الزراعة لضمان لقمة العيش لعائلتها الكبيرة، ولتمهيد جسر المستقبل لابنها بإكمال دراسته الذي أصبح الآن مهندس دولة في الفلاحة وخريج جامعة مستغانم عام 1979. رغم مرور السنين والكفاح وترسبات الحياة، ظلت الحاجة بوقاموم في كامل عافيتها وصحتها الجسدية والعقلية، كما أنها لا ترتدي أية نظارات طبية و تتحدث بطلاقة دون صعوبات سمعية، تتميز بعيشها البسيط في بيتها الصغير، ولا تنفك أن تحكي لكل من يزورها عن الشخصيات والمشاهد التاريخية للثورة التحريرية من قبيل العقيد أوعمران، الشهيد عبان رمضان، عميروش ايت حمودة وغيرهم الذين عاينت ثوراتهم بأدق تفاصيلها وكأنها مرت عليها بالأمس القريب. حكاية الحاجة بوقاموم إرث تاريخي كبير ستتركه لأبنائها وأحفادها ليحتفظوا به ويفتخروا به ويتقاسمونه مع الأجيال القادمة.