لم يتأخر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن التفاعل مع رسالة الاستعطاف التي بعثها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبر الحوار التلفزيوني الذي أجرته معه قناة الجزيرة القطرية قبل يومين، وأكد فيه أن العلاقات مع فرنسا متذبذبة وأن السفير الجزائري سيعود قريبا إلى باريس. هذا السفير الذي كان قد غادر موقعه بعد حادثة تهريب المعارضة الجزائرية أميرة بوراوي من التراب الجزائري إلى فرنسا، واتهمت السلطات الجزائرية المخابرات الفرنسية بتدبيره. وما كادت حملة العلاقات العامة التي دشنتها الرئاسة الجزائرية عبر قناة الجزيرة تنتهي حتى لبّى ماكرون في اتصال هاتفي مع تبون الطلب الجزائري بعودة السفير إلى باريس. هذا ما يمكن استنتاجه اليوم من البلاغ الرسمي الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية حول مضامين الاتصال الهاتفي الذي دار بين تبون وماكرون حول "عدد من المسائل منها طريقة تهريب وإخراج رعية تحمل جنسية مزدوجة، جزائرية – فرنسية، من قبل المصالح القنصلية الفرنسية، بتونس بتاريخ 06-02-2023″، حسب ما ورد في نص البلاغ. هذا الحادث الذي كان سببا في شهر فبراير الماضي في استدعاء الجزائر لسفيرها بباريس، بدلا من استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ونشر وكالة الأنباء الجزائرية لقصاصة تتهم فيها المخابرات الفرنسية باستخدام أساليب الماضي الاستعماري من أجل تهريب الناشطة الحقوقية أميرة بوراوي. وبعد أقل من شهرين فقط من هذه الأزمة التي لم تتجاوز أذهان بعض العنتريين من كابرانات النظام الجزائري، يرفع تبون الراية البيضاء، ويوجه رسالة ضمنية عبر قناة الجزيرة يصف فيها العلاقات مع فرنسا بالمتذبذبة لكنها طبعا لم تصل إلى "نقطة اللاعودة" مثلما هو الحال بالنسبة للعلاقات مع المغرب. وفي الوقت نفسه، يذكر تبون خلال هذا الحوار ب"العشرة الطويلة" التي جمعت بين فرنساوالجزائر لأكثر من 130 سنة من الاستعمار، التي تبرر في نهاية المطاف أن يرتكب النظام الفرنسي جرما مهينا في حق دولة ذات سيادة، ويهرب مواطنة ذات جنسية مزدوجة نحو أراضيه على الرغم من أنف الكابرانات. كيف يمكن تفسير هذا الاتصال الهاتفي الذي جرى اليوم إلا بكونه استجابة للرسالة الاستعطافية التي سمعها الشعب الجزائري والجمهور العربي على لسان الرئيس تبون في حواره التلفزيوني على قناة الجزيرة؟ مباشرة بعد بث الحوار، يتم إجراء هذا الاتصال ويتفق الطرفان، حسب بلاغ وكالة الأنباء الجزائرية، على "تعزيز وسائل الاتصال، بين إدارتي الدولتين، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات" في إشارة إلى عملية التهريب التي تمت في فبراير الماضي. ثم ما هذه الإهانة على رؤوس الأشهاد التي توثقها وكالة الأنباء الجزائرية وهي تكشف أيضا أن "رئيس الجمهورية أبلغ نظيره الفرنسي بعودة السفير الجزائري، قريبا، إلى باريس". هل يحتاج رئيس دولة ذات سيادة إلى ترخيص من الرئيس الآخر من أجل سفر سفيره وعودته مرة أخرى إلى موقعه!! من الواضح إذاً أن السلطات الفرنسية كانت بصدد تأديب نظام الكابرانات الذي قرر استدعاء سفيره إلى الجزائر، ثم عندما أراد إعادته إلى موقعه، واجه اعتراضا فرنسيا، حتى يتم البت في الموضوع. ولعلّ هذا الإخبار الذي قدمه تبون لماكرون هاتفيا، هو بمثابة حصول على ترخيص بالمرور من طرف الرئيس الفرنسي حتى يعود السفير الجزائري إلى سفارته التي غادرها بناء على قرار من الكابرانات الذين اعتقدوا أن ذلك سيمثل ضربة دبلوماسية وتأديبية لفرنسا، والحال أنه تحوّل إلى ورطة دبلوماسية لهم استدعت منهم تدشين حملة علاقات عامة عبر أكبر قناة إخبارية في العالم العربي. إن التعليقات التي لا تزال تعتبر الجزائر "مقاطعة فرنسية" إلى يومنا هذا لم تكن مبالغة إذاً في هذا النعت. لم يستطع تبون وشنقريحة الصمود أكثر من ستة أسابيع من الفراق والابتعاد عن فرنسا ومخابراتها التي كانوا بالأمس يحاولون مواجهتها بتعاليق ومقالات خجولة، تتحدث عن دور "الباربوز"، المستوحى من تاريخ فرنسا الاستعماري، في محاولة لاختلاق مواجهة من الواضح أنهم لم يعودوا قادرين على خوضها. والأكيد أن هذا الانبطاح السريع لنظام الكابرانات أمام إملاءات فرنسا ليس فقط علامة على هشاشة هذا النظام وضعفه، وإنما هو من جهة دليل على ضيق الخيارات المتاحة أمامه بعد أن زعم أنه يؤدب إسبانيا ويجد صعوبة في إعلان الولاء لروسيا، ومن جهة أخرى نكاية في المغرب لا أقل ولا أكثر، بعد أن أدرك الكابرانات أن العلاقات المغربية الفرنسية تمر بأزمة طالت لشهور، ولا يريدون أن يفلتوا فرصة الاصطياد في مياهها العكرة.