لا يمكن أن يصدر فريق بلاغا رسميا يناشد فيه جماهيره بعدم التوجه إلى الملعب لمؤازرته في إحدى مبارياته. من المستحيل أن يحرم أي نادٍ لكرة القدم في العالم نفسه من الدعم والتشجيع الذي تقدمه له جماهيره خصوصا عندما يكون هذا الفريق مقبلا على إجراء مباراته خارج قواعده في ضيافة خصمه. لكن في حالة مباراة الوداد البيضاوي، وعندما نعرف من هو الخصم نفهم السبب الذي يجعل الفريق الأحمر يناشد جماهيره بالبقاء بعيدا عن ملعب 5 جويلية في الجزائر. فكما يُقال إذا عُرف السبب بطل العجب. والعجب العُجاب هو هذا الذي أصبحت الأندية والمنتخبات الوطنية لكرة القدم تعيشه كلّما حكمت عليها ظروف المواجهات القارية بالتوجه إلى الجزائر. البلاغ الذي أصدره فريق الوداد البيضاوي لكرة القدم بالأمس مناشدا جماهيره بعدم حضور مباراته أمام نادي شبيبة القبائل برسم منافسات عصبة الأبطال الإفريقية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الوفد الودادي يعيش منذ أن وطأت أقدام أفراده مطار الجزائر الدولي كابوسا حقيقيا بسبب الاستفزازات والضغوط والممارسات العدوانية التي يسلكها الطرف الآخر في إطار هذه الحرب الرسمية التي أعلنها نظام الكابرانات ضد كل من يمثّل المغرب في المنافسات التي تحتضنها الجزائر. وكذا في إطار الحرب النفسية الهادفة إلى التأثير على معنويات لاعبي الفريق المرشح بقوة لإحراز اللقب والدفاع عن تتويجه في السنة الماضية. بدأت هذه الاستفزازات بمصادرة معدّات التصوير التي كان يحملها الطاقم الإعلامي لفريق الوداد البيضاوي. وبعد أن تم حظر التصوير على أعضاء الفريق فلا أحد يعلم حقيقة ما يمكن أن يكونوا قد تعرّضوا له، بدء بجفاء الاستقبال عبر حافلة متهالكة يعود تاريخ تسجيلها ربما إلى بداية هذا القرن، مرورا بهذه الإجراءات الأمنية المبالغ فيها وصولا إلى الحروب الإعلامية الجارية اليوم على بلاتوهات القنوات الجزائرية المهتمة بالشأن الرياضي والكروي. وما خفي كان أعظم. هذا المساء ستنطلق المباراة بين الفريقين، ويبدو الفريق المغربي مرشحا بقوة لانتزاع الفوز من قلب الجزائر، لكن الأهم اليوم بالنسبة لإدارة الفريق وحتى لجماهيره الوفية وللسلطات المغربية هو سلامة اللاعبين وعودتهم من الجزائر آمنين مطمئنين. للأسف، هذا ما وصلت إليه الأمور فيما يتعلق بتدبير المنافسات والمواجهات الرياضية والكروية بين المغرب والجزائر. أصبح السفر إلى هناك قطعة حقيقية من العذاب والمعاناة التي نعيشها كمغاربة على أعصابنا، ونحن نرى بأم أعيننا تعمّد الإساءة للمغرب ولمقدساته ولبني وطنه، لا لشيء إلا لأنه بلد يصرّ على أن يتقدم في مجالات وميادين تريد "القوة الضاربة" أن تحتكرها لوحدها. ما ذنب المغاربة وفريق الوداد البيضاوي إذا كان المنتخب الجزائري قد أخفق في إحراز لقب كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين على الرغم من أنه كان منظما بالجزائر؟ المنتخب المغربي لم يشارك في هذه البطولة وكان أمام المنتخب الجزائري كل الفرص والحظوظ من أجل تحقيق اللقب لكنه أخفق وعادت البطولة لمنتخب السنغال الذي يستحقها. من المفترض أن يثير البلاغ الذي أصدره الوداد البيضاوي، ويدعو فيه جمهوره إلى عدم الالتحاق بملعب 5 جويلية، قلق السلطات الجزائرية واستنفارها من أجل معرفة الأسباب وترتيب الإجراءات اللازمة لتأمين الجماهير الودادية. لقد كان من الأولى أن يبادر الاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى التواصل مع الفريق البيضاوي ومع إدارته ومسؤوليه من أجل تعزيز الإحساس بالأمان والاطمئنان وتوفير الضمانات الكافية لخوض مباراة كرة قدم في أجواء ودية بعيدا عن أي استفزاز أو مخاطر للتصعيد وتهديد سلامة اللاعبين وطاقم الفريق. لكننا نعلم أن سلطات اتحاد كرة القدم في الجزائر محدودة ولا مجال لتدخلها في تدبير هذا الشأن الذي لم يسلم من اليد الطُّولى للكابرانات. فالشأن الكروي في الجزائر شأن سياسي صرف. وقرار مصادرة معدّات التصوير الخاصة بفريق الوداد البيضاوي قرار لم يتخذه الاتحاد الجزائري لكرة القدم وإنما هو أوامر صادرة من القيادة العسكرية للبلاد التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتتدخل فيها وتفتي بشأنها. ولذلك فإننا كجماهير مغربية لم تعد تهمّنا بتاتا نتيجة مباراة الوداد وشبيبة القبائل بقدر ما أصبح هاجسنا الوحيد هذه الليلة هو الحفاظ على سلامة لاعبينا وضمان عودتهم إلى أرض الوطن آمنين مطمئنين.