ما كادت المواقع والصفحات الإخبارية التابعة لإعلام العسكر في الجزائر تنتهي من ترويج الفيديو المضلل عن استقبال زعيم انفصاليي البوليساريو من طرف الرئيس الكيني الجديد، حتى جاءت صفعة الحقيقة لتخلخل توازن نظام الكابرانات وأزلامهم من الانفصاليين بعد أن قررت جمهورية كينيا وبكل شجاعة سياسية العدول عن اعترافها ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة، والشروع في خطوات إغلاق تمثيليتها في نيروبي. رسالة ملكية واحدة بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى الرئيس الكيني الجديد وليام ساموي روتو لتهنئته بمناسبة انتخابه كانت كافية لإنهاء وهمٍ طال لسنوات مع الرئاسة الكينية السابقة يغذيه دعم الكابرانات ورشاوى البترودولار الجزائري. هذه الرسالة الملكية التي تلقاها الرئيس وليام ساموي روتو عبّرت عن الفرق بين خطابات الدعاية والتلفيق والإيديولوجيات الفارغة وبين الخطابات البناءة التي تقترح الالتفات نحو المستقبل بالاستناد إلى المشاريع وبرامج التنمية والاستثمار الهادفة إلى تفعيل التعاون مع الدول الإفريقية. لقد كشف البلاغ المشترك بين المغرب وجمهورية كينيا جانبا من هذا البون الشاسع بين عرض دبلوماسي قائم على علاقات البناء وعرض إيديولوجي قائم على علاقات الهدم، عندما أبرز التزام المغرب وكينيا بالارتقاء بعلاقاتهما الدبلوماسية الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية في الأشهر الستة المقبلة، مضيفا أن جمهورية كينيا تعهدت بفتح سفارتها بالرباط. وبينما انشغل إعلام الكابرانات بالترويج لانتصارات وهمية قائمة على الاستقبالات البروتوكولية التي لا قيمة لها، يكشف البيان المشترك بين المغرب وكينيا عن المعنى الحقيقي للشراكات والتعاون حيث تم الاتفاق على التسريع الفوري للعلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية بين البلدين، ولا سيما في مجالات الصيد البحري والفلاحة والأمن الغذائي وخصوصا ما يتعلق باستيراد الأسمدة. وهنا من المهم التذكير بالمكانة التي أضحى يحتلّها المغرب على الصعيد العالمي والإفريقي في مجال ضمان مستقبل النشاط الزراعي باعتباره واحدا من أكبر المنتجين العالميين لمواد الأسمدة بفضل التطوير الذي عرفه نشاط المكتب الشريف للفوسفاط، وباعتبار كينيا أيضا واحدة من أكبر البلدان الإفريقية التي تراهن مستقبلا على أن توسع إنتاجها الزراعي وتتحول إلى سلّة الغذاء الإفريقية. لقد أدركت الرئاسة الكينية الجديدة وبسرعة أن العلاقات القائمة فقط على توجهات إيديولوجية تجاوزها الزمن وولاءات لأطروحات غير واقعية ليس في صالح مستقبل البلاد ولا مستقبل القارة السمراء عموما. فإفريقيا وفي قلبها كينيا في حاجة إلى تعزيز التعاون مع بلد كالمغرب رائد في مجال التعاون جنوب-جنوب، وأظهر عطاءات كبيرة في مجال دعم مشاريع التنمية في القارة الإفريقية، كما يدل على ذلك الحضور الاقتصادي والتنموي الوازن لبلادنا في غرب إفريقيا. ومن هنا فإن أهمية هذا الاختراق الدبلوماسي الهام في كينيا تكمن في انتقال هذا الحضور المغربي من غرب إفريقيا إلى شرقها حيث فرص التعاون الواعدة، وحيث مساحات الدفاع عن القضية الوطنية لا تزال مفتوحة. إن سحب كينيا في هذا التوقيت لاعترافها بجمهورية الوهم ودعمها الرسمي المعلن لمبادرة الحكم الذاتي كحل نهائي ووحيد لقضية الصحراء المغربية يحقق أهدافا عديدة ومتنوعة في لحظة دبلوماسية واحدة. فهو يأتي مباشرة بعد المبادرة الشجاعة التي قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة بتنسيق مواقف 35 بلدا خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان بجنيف لدعم القضية الوطنية. كما يتزامن هذا القرار الكيني أيضا مع سُعار جزائري واضح يبحث عن معاكسة الوحدة الترابية للمغرب في أي بقعة من بقاع العالم مهما هان شأنها، كما يمثل هذا المنجز الدبلوماسي الجديد لبنة هامة في مسار اختراق الدبلوماسية المغربية للجزء الشرقي من القارة السمراء، حيث القوى الوازنة في منظمة الاتحاد الإفريقي وحيث ملعب الأضاليل التي يدافع عنها الكابرانات ويحاولون استدامتها.