لم يسبق لمقابلة في كرة القدم النسوية أن جمعت هذا العدد الهائل من الجماهير التي أقبلت على مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط لمتابعة النهائي الإفريقي بين لبؤات الأطلس ومنتخب جنوب إفريقيا. وتكاد تكون مباراة النهائي الذي احتضنه المغرب على مدى أسابيع واحدة من المباريات التاريخية على مستوى نسبة الحضور الجماهيري في كل مباريات كرة القدم النسوية عبر العالم. فبالموازاة مع دورة كأس إفريقيا تدور هذه الأيام كأس أوربا للمنتخبات النسوية في كرة القدم بحضور جماهيري باهت في الملاعب الإنجليزية. ما حقّقه المنتخب المغربي لكرة القدم النسوية أكبر من مجرد فوز أو تأهل لنهائي كأس إفريقيا ولنهائيات كأس العالم. لقد حققت لبؤات الأطلس تلاحما وطنيا منقطع النظير حول أمل وطموح كبيرين كانا يحذوان هذه المواهب من الإناث الشابات اللواتي شققن طريقهن وسط الشوك أحيانا وفي الغربة أحيانا أخرى. مغربيات أصيلات حملن همّ كرة القدم الوطنية وعزفن على مدى أيام طويلة أجمل لحن من ألحان التضافر والتلاحم الوطني الذي أظهر من جديد أن للمغاربة روحا واحدة تجتاح كيانهم وتسكن ذواتهم هي تلك الرغبة الدائمة في التفوق والتميز وإظهار مؤهلات هذا البلد على المستوى الرياضي والتنظيمي والبشري. فإلى جانب الأداء المميز الذي قدمته لبؤات الأطلس في كل المباريات التي خُضْنها شكّلت مهارة هذه الفتيات الموهوبات سياقا مناسبا جدا لإظهار الكفاءة الوطنية على المستوى الإفريقي في كافة المجالات. ملاعب في المستوى الدولي، وتنظيم محكم لا يعتريه أي خلل، ومتطوعون من كل الفئات يقدمون كل ما يملكون من أجل صورة المغرب، إضافة إلى هذا الإقبال الجماهيري المنقطع النظير الذي أبهر الأفارقة والعالم، وأبرز التجذر الثقافي العميق لرياضة كرة القدم في المغرب باعتبارها أكثر اللعب شعبية وانتشارا. إن هذا الحضور الجماهيري الذي سجله الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ومن ورائه الاتحاد الدولي "فيفا"، لا يمثل مجرد احتفالات أو فرجة عابرة، بقدر ما هو تأكيد للهيئات الكروية العالمية أن المغرب بلد يتنفس كرة القدم ومؤهل أكثر من غيره من البلدان الأخرى لاحتضان أكبر المنافسات الكروية العالمية، التي سبق أن ترشّح لها وعلى رأسها كأس العالم. فمن المعروف أن من أهم المعايير التي تقوي ملفات الترشيح وتعطيها أولوية على منافسيها هو مدى انتشار ثقافة كرة القدم في الأوساط الشعبية ومدى جاهزية الجماهير المحلية من أجل الإقبال على المباريات وعلى مشاهدتها في الملاعب التي تحتضنها. نحن اليوم متأكدون أن تنظيم كأس العالم في المغرب مستقبلا سيجري تحت نسب متابعة عالية جدا، وأن الجماهير الوطنية ستكون مستعدة تماما لإنجاح هذا الحدث الرياضي العالمي بما يمتلكونه من ثقافة كروية وشغف رياضي لا يمتلكه الكثير من شعوب العالم. ولعلّ هذا النجاح التنظيمي الجليّ الذي حققه المغرب يؤكد للمرة الألف أن بلادنا أضحت تتزعم القارة السمراء على مستوى جاهزيتها سواء من حيث البنيات التحتية أو القدرات اللوجيستيكية أو الخبرة التنظيمية والبشرية. الرباط اليوم هي عاصمة كرة القدم الإفريقية، ليس فقط بالألقاب التي حصدتها الأندية الوطنية هذه السنة سواء كأس عصبة الأبطال الإفريقية أو كأس الاتحاد الإفريقي، وإنما أيضا بهذه الصورة المثالية والمبهرة التي تقدمها ملاعبنا وبنياتنا التحتية وجماهيرنا وفنادقنا ومطاراتنا ومقاولتنا المتخصصة إلخ. حُقّ لنا كمغاربة اليوم أن نفخر باللبؤات لأنهم واكبن هذا التميّز التنظيمي بتميز كروي وتقني رفيع، وكشفن أيضا أن المغرب لم يتقدم فقط على صعيد المنشآت بل حتى على صعيد اجتماعي وثقافي بعد أن أضحت المرأة المغربية على غرار شقيقها الرجل تقتحم الملاعب الكروية وتسجل الأهداف وتحقّق النجومية وتقدّم الفرجة للجماهير.