في عهد الرئيس السابق للحكومة المغربية السيد "عبد الإله بنكيران"، وعلى إثْر قرار "إصلاح" صندوق المقاصة، كانت حكومة " الزعيم " قد قررتْ، وبشكل مفاجئ، الرفع من أسعار بعض مشتقات الطاقة، وإلغاء الدعم عن مادة "الفيول" (البترول غير المُعَالَج)، الموجهة أساسا إلى القطاع الصناعي، وكان المغرب قد عاش حينها على إيقاع رفضٍ واسعٍ لهذا القرار من طرف بعض النقابات والهيئات السياسية المعارِضة من داخل قُبّة البرلمان ومِنْ خارجِه، كما قُوبل نَفْس القرار آنذاك باحتجاجات العديد من القطاعات المهنية والصناعية التي تعتمد بشكل أساس على هاته الطاقة أو المادة الحيوية في عمليات إنتاجها الصناعي. لكن، وحسَبَ عِلْمِنا المتواضع، لا أحَدَ في المغرب من هيئاتنا السياسية ونقاباتنا وبرلمانيينا المحترمين احتج آنذاك أيضا على الزيادة في ثمن " الفُول "، كمادة أو كطاقة غذائية أخرى، لا تَقِلُّ حيوية وضرورة في النظام الاستهلاكي والغذائي العام لشريحة عريضة وواسعة من الشعب المغربي، هي المادة التي يمكن تسميتها مَجازا وببساطة ب " الفول الصناعي"، مع العِلْم بأن الفرق بين المادتين أو الطاقتين: " الفيول " و " الفول " ليس سوى فرق شكلي في التَّرسيم الخطي: حذْفُ " ياء " بسيطة من الاسم الأول، لتنقلب الدلالة والوظيفة رأسا على عَقِب، ويصبح " الفول " بدوره " قضية " اقتصادية وطنية على قَدْر كبير من الأهمية، تستحق، بهذا المعنى أو ذاك، الكثير من المقالات والمُرافعات والاحتجاجات. هكذا، ظل السؤال الكبير منتصبا، آنذاك وما يزال، أمام أعين المغاربة: لماذا لم ينتبه " نواب " و " مستشارو " الأمة ( نساء ورجالا على حد سواء ) إلى هاته المسألة " الاستراتيجية " في الاقتصاد أو في المستهلَك الغذائي الوطني ؟ على اعتبار أن مادة " الفُول "، يمكنها أن تنتج طاقة حيوية أيضا ( ريحية وحرارية )، حيث يكون من الواجب دعمها وحمايتها من ارتفاع وتضارب الأسعار، ثُم لما يمكن أن تنتجه نفس المادة النباتية من " غازات طبيعية " وطاقة ريحيّة " بديلة " و " نظيفة " و " متجددة "، لا تضر بالبيئة ولا بجيوب المستهلكين والمواطنين في نفس الوقت، ويُمْكِنها، بالتالي، أن تضمن أيضا نوعا من الاستقرار أو السلم الاجتماعي للمغرب داخليا وفي محيطه الإقليمي. كيف ذلك ؟ وما علاقة ما نطرحه هنا، ضمن عنوان هذا المقال، بالحكومة و " البيصارة " و " الكافيار " وأشياء أخرى سنأتي على ذكرها في السياق ؟ على اعتبار أن " البيصارة " هي وجبة غذائية شعبية مغربية مُعَدّة أساسا من مادة " الفول " التي تعتبر نباتاً حولياً يندرج ضمن فصيلة البقوليات، وهو مادة غذائية قديمة وغير مستحدثة جينيا كما قد يظن البعض، إذ عُرِفَ " الفول " منذ أيام الفراعنة، وظَلَّ مصدراً بديلاً للبروتين، يُستعمَل كثيرًا أيضا في المطبخ العربي، وهو الأكلة الشعبية الأولى في مصر كذلك، حيث يؤكل يومياً وخاصة كوجبة إفطار، وأيضًا على وجبة السحور في شهر رمضان ( فول مُدَمّس وطعمية )، ناهيك عن تواجد " الفول " في المطبخ السوداني كوجبة رئيسة، إلى درجة أن الأشقّاء السودانيين قد شرّفوه وكرّموه وأطلقوا عليه لقب " حبيب الشعب ". ربما تكون المسألة أو الجواب عن هذا السؤال الحيوي والاستراتيجي كذلك في غاية البساطة وعكس ما يتصوره البعض: فقط لأن جُلَّ وزرائنا ونوابنا ومستشارينا ورؤساء جماعاتنا الترابية قد تعودوا على وجبات " الكروفيت روايال " و " الكالامار " وغيرها .. وأصبحوا في غِنى تام عن الفُول و " البيصارة " و " المنقوب " ( الفول المدمس على الطريقة المصرية ). مع العلم أن " الفول "، هنا، بنوعيه: بما في ذلك " الفول السوداني " أو " فستق العبيد " أو ما يُعْرف عندنا في المغرب ب " الكاكاويت " أو " الكاوكاو "، الذي يُعَدّ بدوره من أكثر الأطعمة والمقويات الجنسية شعبية وانتشارا، يمكن اعتباره أيضا ومن دون مُنازع طاقةَ و" كافيار " الفقراء بامتياز. أما مَنْ لا يعرف " الكافيار "، أو يكون قد سمع به فقط، وهو بيض سمكة " الحفش "، يُنتَج في إيران وكازاخستان، ويُعتبَر من أكثر الأطعمة غلاء في العالم، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من نوعيه العادي والفاخر ما بين 5 آلاف إلى 25 ألف دولار أمريكي، ويُعَدُّ الطلب المتزايد عليه بسبب سمعته وقيمته الغذائية كمنشط جنسي، فعليه أن يتوجه بالسؤال مباشرة إلى " نواب " و " مستشاري " الأمة، وإلى حكومتنا المُوَّقرة ووزرائنا المكلفين بالاقتصاد والمالية، بالطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، بالشؤون العامة والحكامة ( على سبيل المثال لا الحصر )، هُم الذين يمتلكون، في الوقت الراهن، الأجوبة والحلول وكذلك القدرة على شراء " الكافيار " وتناوله ( اللَّهُمَّ لا حسَد ). مِنْ هنا أيضا، قد يقول قائل بأن كلامنا مردود عليه، وفيه الكثير من المزايدات والتجنِّي على قرارات حكومة " الزعيم " ومن تلاها، وعلى صورتها وطريقتها في العيش، وإرادتها في الإصلاح كذلك، ما دام بعضَ وزرائنا السابقين واللاحقين هم أبناء الطبقة المتوسطة من الشعب على الأقل، وأنهم دشنُّوا أو بدأوا حياتهم السياسية ومشوارهم الحكومي بالظهور علَنا، وهم يتناولون " البيصارة " في مطاعم شعبية يرتادها الفقراء وعامة الناس، لكن الأمر هنا مختلف بشكل ساخر ومفارق أيضا: فثمة فرق بين أن يتناول وزير في الحكومة لمرة واحدة فقط طبق " بيصارة " من أجل صورة فوتوغرافية، هدفها الترويج لصورة معينة وللاستهلاك العام، وبين أن تكون " البيصارة " هي وجبته الرئيسة وغذاؤه أو قُوتَه اليومي !