يبدو أن حزب التقدم والاشتراكية يحاول يائسا على لسان أمينه العام نبيل بنعبد الله ترميم الخسائر السياسية التي راكمها خلال تجربة التحالف مع العدالة والتنمية رغم أنها لا تزال متواصلة في إطار حكومة سعد الدين العثماني. فالظاهر أن ما خسره حزب الكتاب من مواقع وحقائب وزارية وحظوة لدى الدولة بدأ يقلق القيادة الحالية ويدفعها نحو التوجس من مستقبل الحزب الانتخابي والسياسي. وفي هذا السياق لم يتردد الأمين العام نبيل بنعبد الله هذا الأسبوع في استدعاء المشروع اليساري الكبير بحثا عن إعادة التموقع في الخريطة السياسية التي تراجعت فيها مكانة الحزب كثيرا. بدأت الخسائر قبل أكثر من عام ونصف عندما أدرج اسم الأمين العام نبيل بنعبد الله ورفيقه وزير الصحة الحسين الوردي في قائمة الوزراء المغضوب عليهم والذين تم إعفاءهم تطبيقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، من طرف الملك محمد السادس على خلفية تقرير إدريس جطو بخصوص تأخر مشاريع الحسيمة منارة المتوسط. وشملت قرارات الغضب الملكي الوزير التقدمي في الحكومة الأسبق محمد أمين الصبيحي الذي كان مسؤولا عن وزارة الثقافة. وقد بدا حينها أن حزب التقدم والاشتراكية أكثر الأحزاب تضررا من قرارات الإعفاء. ولم يتردد الكثير من المراقبين حينها في الربط بين هذه الإعفاءات التي لحقت نخب الحزب الشيوعي سابقا وبين التصريحات المثيرة لنبيل بنعبد الله التي صدرت قبيل الحملة الانتخابية في 2016 والتي تبنى فيها شعار عبد الإله بنكيران في مواجهة "التحكم" وأشار إلى دور المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة في إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة. حينها تلقى نبيل بنعبد الله ردا قويا من الديوان الملكي الذي اعتبر تصريحاته "وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة”. لقد بدا للكثيرين حينها أن مستقبل نبيل بنعبد الله السياسي أصبح على المحك. لكن عودة الأمين العام لحزب الكتاب اليوم إلى مغازلة الرفاق في أحزاب اليسار خلال الحوار المفتوح الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني بسلا يوم الأربعاء مناورة قديمة يتقنها حزب التقدم والاشتراكية. لطالما كان هذا الحزب محميا بتحالفات تقليدية إيديولوجية أو تاريخية يستدعيها في أوقات الأزمات بحثا عن إعادة التموقع. هذا كان دأب الحزب في علاقته برفاقه القدامى في الكتلة الديمقراطية: الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومنظمة العمل الديمقراطي، وهي الهيئة التي استمر حزب التقدم والاشتراكية في توظيفها حتى قراره التاريخي بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية في حكومة عبد الإله بنكيران. ما الذي حدث إذن لكي يعيد بنعبد الله توظيف خطاب الحزب اليساري الكبير؟ هناك معطيان أساسيان يبرران إحياء هذا التوجه في السياق الحالي: المعطى الأولى يتعلق بالطعنة الأخيرة التي تلقاها حزب التقدم والاشتراكية من حليفه حزب العدالة والتنمية عندما قرر رئيس الحكومة حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء التي كانت تحت وصاية عبد القادر اعمارة، وكانت تشرف عليها الوزيرة التقدمية شرفات أفيلال. هذه الحقيبة المفقودة ضاعفت الخسائر الوزارية للحزب بعد فقدانه لحقيبة وزارة الصحة والتي كان يراهن عليها كثيرا لتلميع صورته بفضل نقطة الضوء الاستثنائية التي كان يمثلها الوزير الحسين الوردي. أما المعطى الثاني فهو يتعلق بوعي مسؤول سياسي مجرب كنبيل بنعبد الله بأهمية اليسار غير الحكومي ممثلا في حزب فيدرالية اليسار كورقة بديلة مطروحة على الساحة في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2021. وفي هذا الإطار لم يتردد نبيل بنعبد الله يوم الأربعاء الماضي في مغازلة منيب عندما أكد أن الصوت الديمقراطي التقدمي قد تراجع بما في ذلك حزبه، ومشيرا إلى توجهه بعيدا عن حزب العدالة والتنمية مستقبلا، معبرا عن أمله في انبعاث جديد لروح اليسار بشكل جديد وبأفكار أخرى تتفاعل مع تغيرات الواقع. وبدهائه السياسي لم يفت نبيل بنعبد الله أن يدافع عن تجربة حزبه في حكومتي العدالة والتنمية ويقدم المبررات الكافية لها. وعلى عكس بعض التوقعات التي أكدت أنه متجه نحو طلاق مستقبلي مع الإسلاميين، بدا بنعبد الله حذرا وهو يهدي قلبه لليسار ويرفع سيفه مع الإسلاميين. فهل يكون واسطة بينهما لصياغة تحالف إسلامي يساري في انتخابات 2021؟