خرجة عبد الإله بنكيران بالأمس كانت نموذجا يدرس حول الخطاب الإسلاموي السياسي الذي يرتكز على مثلث أضحى مبتذلا ومكشوفا للجميع. هذا المحتوى الذي يتكرر كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية وأزفت ساعة المحاسبة والحقيقة، لم يخرج عما اعتدنا أن نسمعه من قياديي حزب العدالة والتنمية في كل المناسبات السابقة. المظلومية والمؤامرة والتهديد أو الابتزاز. هذه هي ركائز الخطاب السياسي الإسلاموي منذ أن تأسس حزب العدالة والتنمية ودخل غمار المنافسة الانتخابية مثله مثل غيره من الأحزاب. لم يتردد بنكيران في تضمين خطابه رسائل صريحة وواضحة تمتح من هذه الأسس وتحاول بيأس أن تترك أثرا في ساعات الأيام القليلة المتبقية من الحملة الانتخابية. فالتوقيت الذي تم اختياره لخرجة بنكيران توقيت مدروس للغاية، هدفه دفاعي في العمق خصوصا بعد مهزلة طرد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بالرباط من طرف المارة، ومهازل مشابهة تعرض لها مرشحون من حزب العدالة والتنمية مثل مصطفى الخلفي وغيره. هذه المشاهد التي تنبئ عن انتكاسة سيتعرض لها "الإسلاميون" في الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 شتنبر بعد أن اجتمعت كل شروط التصويت الانتخابي، هي التي جعلت العراب عبد الإله بنكيران يخرج من قوقعته ليؤدي دوره المتفق عليه سلفا مع الإخوان الذي نزلوا إلى الميدان، في محاولة للنيل من سمعة بعض المرشحين المنافسين وعلى رأسهم أمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار الذي لم يتردد بنكيران في استهدافه بالاسم. ومرة أخرى يعود بنكيران إلى المظلومية والمؤامرة وهو يتحدث بشكل لا يخلو من انعدام المسؤولية عمّا اعتبره "شيئا يحضر في الخفاء". هذا حديث صريح عن وجود مؤامرة ما تحاك ضد الحزب وضد حظوظه في الفوز بالانتخابات المقبلة، وكأن الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية يحاول أن يستبق الانتكاسة الانتخابية بادعاء وجود مؤامرة في محاولة قبلية لتبرير الهزيمة المتوقعة. لكن هذا الافتراض الضمني في كلام بنكيران ينطوي على تساؤل غاية في الخطورة: هل يمهد بنكيران إلى عدم اعتراف حزب العدالة والتنمية بالهزيمة في الانتخابات والطعن في النتائج التي سيعلن عنها؟ هذا ما نفهمه من كلامه. هل سيقبل بنكيران وإخوانه بالنتائج إذا لم تكن في صالحهم؟ إن استهداف منافس بالاسم مثل عزيز أخنوش أو غيره، لا يمكن فهمه إلا بأنه ارتباك واهتزاز يحس به بنكيران ومن ورائه حزب العدالة والتنمية. فطوال أسابيع الحملة الانتخابية وما قبلها لم نشهد قياديا أو زعيما حزبيا واحدا يستهدف منافسا له بالاسم ويوجه له انتقادات لاذعة كالتي وجهها بنكيران لأخنوش. نحن نتحدث هنا عن حزب قاد حكومتين على التوالي وكان يستحوذ على الغالبية العظمى من الوزارات وأخذ كامل حظوظه في التدبير والقرار والسلطة، وفرض اختياراته وبرامجه، مثلما سبق لعبد الإله بنكيران نفسه أن أكد. لقد أصر مرارا وتكرارا أن يؤكد أنه هو من كان وراء رفع الدعم الذي كان يقدم عبر صندوق المقاصة، كما أن أخاه ادريس الأزمي كان يصر على أن حزبه هو من كان وراء فرض نظام التعاقد في قطاع التعليم واعتبر ذلك إنجازا. لقد كان ل"الإسلاميين" كامل الصلاحيات والسلطات من أجل ممارسة التدبير وهذا يعني أن عليهم تحمل مسؤولياتهم في الحصيلة وفي المحاسبة المحتملة التي سيقوم بها الناخبون. لقد كانت خرجة عبد الإله بنكيران تطفح بالابتزاز بل والتهديد، عندما اختار مرة أخرى العودة إلى أحداث الربيع العربي، وتذكير المغاربة بأسلوب لا يخلو من المنّ بأنه كان وراء تجنيب المغرب كارثة كالتي حصلت في بلدان عربية مجاورة لا تزال تحاول استعادة توازنها. من يبتز عبد الإله بنكيران بهذا الكلام؟ هل يحاول ابتزاز الناخبين أم ابتزاز الدولة المغربية؟ لقد أزفت لحظة الحقيقة، وسيقف الناخبون يوم 8 شتنبر أمام صناديق الاقتراع، وستكون لهم كامل الحرية والصلاحية في تحديد الحزب الفائز، وإذا اختاروا معاقبة حزب العدالة والتنمية فإن عليه وعلى قيادته الحالية والسابقة تقبل النتيجة.